ضرورة أنّ الظاهر هو حدّ للباطن ومرتبة نازلة له ، فالباطن بهذا الحدّ صار متباذلا عن سعة وجوده وصار ظاهرا محدودا ، فالحد لمكان أنّه عرضي ممكن الإزالة والزوال بالإعراض عنه ، نعم إزالة الحد ليس كإزالة ظاهر بعض الأجسام عن بعض ، بل إنما هي بما بيّنه الشارع حيث إنه هو الذي جعل الظاهر حدّا للباطن ، فلا محالة يعلم بكيفية إزالة هذا الحد ، وحاصل ما بيّنه الشارع يرجع إلى تفصيل نذكره فيما بعد . وأما إجماله وهو عبارة عن نسيان الظاهر وعدم عقد القلب عليه ، فهو وإن كان ببدنه في عالم الظاهر إلا أنّه بروحه ناس عنه ومتوجّه إلى الباطن على حسب حاله ، وإليه يشير قوله عليه السّلام : " وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلَّقة بالملإ الأعلى " وعن الصادق عليه السّلام قال : " إنّ القلب إذا صفا ضاقت به الأرض حتى يسمو " وقال عليه السّلام : " طوبى لمن جعل بصره في قلبه ، ولم يجعل بصره في عينه " . ضرورة أنّ البصر في العين لا يرى إلا الظاهر ، وأما لو نسي الظاهر فلم يلتفت إليه التفات المحبوبية وجعل بصره في قلبه فلا محالة يرى الباطن على حسب حاله . والحاصل : أنّ إزالة الحدّ إنما هو بالأعمال الصالحة وتهذيب النفس عن الأوصاف الرذيلة ، ومراقبة المولى جلّ شأنه ، والمجاهدة بين يدي مرضاته . وبعبارة أخرى : إنّ النفس قد جعلها الله بنحو يترسّخ فيها ما تعلَّقت به فهي بأيّ شيء تعلقت انقلبت إليه ملكة وتتصف به حقيقة ، فالنفس إذا تعلَّقت بالبدن وبشئونه وما تحتاج إليه من زخارف الدنيا وعناوينها ، فلا محالة تغفل عما سوى البدن من ساير العوالم العلوية ، وتتحد مع البدن بحيث تنمو وتتخلق بما فيه ، وتبرز فيه خصوصياته وآثار القوى الحيوانية إلى أن يشتبه على النفس نفسها فتظن أنها هي البدن وأنه لا شيء سوى البدن ، وما يلائمه من مشتهياته لا غير . وإليه يشير قوله تعالى : ولا تكونوا كالَّذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم 59 : 19 [1]