قال : ولكنه ينزل إلى سماء الدنيا بغير معاناة ولا حركة فيكون كما في السماء السابعة على العرش ، كذلك في سماء الدنيا إنما يكشف عن عظمته ، ويرى أولياءه نفسه حيث شاء ، ويكشف ما شاء من قدرته ، ومنظره بالقرب والبعد سواء " وقد تقدّم بعض الأخبار وسيأتي ما يدل على ما ذكرنا . وهاتان الروايتان دلَّتا على إمكان حصول المعرفة به للمؤمن في الدنيا ، وسيجئ توضيح المراد من المعرفة به تعالى مع ما له من الكلام في شرح قوله عليه السّلام : " السلام على محالّ معرفة الله " . الثاني : إنه لا ريب في أنّ عالم الدنيا إنما هو ظاهر للعالم المحيط به وهو باطنه ، وهكذا إلى أن يصل إلى العالم الربوبي ، وقد تحقق أيضا في محلَّه أنّ النسبة بين هذه النشأة وبين النشأة المحيطة بها هي نسبة العلَّية والمعلولية والكمال والنقص في سلسلة الخلق التي مجموعها مخلوق له تعالى . فالعالم المادي معلول لعالم الباطن فهو ظاهر له ، ونسبته إليه نسبة الظاهر مع الباطن ، ومن الثابت في محلَّه أيضا أنّ الظاهر من أطوار وجود الباطن ، ومرتبة من مراتبه قد تجلَّى فيه ، وله كمال الربط بالنسبة إليه ، وعلى هذا فشهود الظاهر لا يخلو من شهود الباطن من وجه ، فالباطن مشهود أيضا في الظاهر غاية الأمر بالآثار وبلباس الظاهر ، بحيث لو رفع هذا اللباس لا نجلى الباطن بنفسه من دون سترة عليه . نعم : لكلّ من الباطن والظاهر عين تخصّه بالنظر بها إليه فلا يمكن مشاهدة الباطن بعين قد أعدّت لمشاهدة الظاهر ، كيف والظاهر هو الداني والباطن هو العالي ؟ فبما يلاحظ به الداني لا يناسب أن يلاحظ به العالي لاختلاف الرتبة وإلا لتساوت والمفروض خلافه ، بل لا بد من تحصيل عين بها مشاهدة الباطن قال عليه السّلام : " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا " لأنه عليه السّلام كان يرى الباطن بعين تخصّه لا بعين الظاهر ، ولا تكون مشاهدة الباطن إلا برفع اليد عن الظاهر وإزالته .