فوقعوا في سلك الصوفيّة من حيث لا يشعرون . وإما لأجل عدم قبولهم ولاية الأئمة عليهم السّلام فهؤلاء أيضا وإن علموا بعض المحاسن من الأخلاق والحالات الحسنة إلا أنه لما انسدّ عليهم باب الولاية ، فلا محالة يكون باب المعارف الإلهيّة منسدّا عليهم ، وإن بلغوا في الحالات ما بلغوا ، فإنهم أيضا يقولون بعقائد المتصوّفة بل هم هم من حيث لا يشعرون . وإما لأجل متابعة صفات النفس والإصرار على المعاصي مع عدم تهذيب الأخلاق ، فإنّك ترى من الشيعة من هو معتقد بأصول الدين وفروعه إلا أنه لأجل ابتلائه بالمعاصي وعدم تهذيب نفسه يشتغل بمطالعة بعض المعارف ودراسته ، فلا يكاد يفهم منها إلا ما يوجب انحرافه ، ضرورة أنّ المعارف الإلهية هي واقع القرآن وبيان شؤونه وهو لا يزيد الظالمين إلا خسارا . نعم ، من هذّب نفسه فصار مؤمنا فلا محالة يكون القرآن ومعارفه له شفاء ، فالمعارف الحقة لا تؤثر في النفس غير المهذبة إلا الضلال والخسران ، ويجمع الكلّ أنه من اتّبع نفسه في المشتهيات ، ولم يهذّب نفسه أوّلا بالأخلاق الشرعية . فلو أخذ بمطالعة بعض المطالب الحقّة فلا يكاد يستفيد منها إلا ما يوجب تقوية نفسه في طغيانها ، ضرورة أنه يسير حينئذ في تقوية النفس وصفاته إلى أن يتجلَّى له الشيطان بما له من الصفاء والبهاء فيغترّ به ضرورة أنّ النفس بما لها من القوى أيضا لها صفاء وقوّة وتصرّف في الماديات . فهذا الذي لم يهذّب نفسه بالشرع ، لا يسير إلا في صفاء النفس وترسّخ روحه في صفائها إلى أن يتجبّل فيه الشيطان ، فهو حينئذ مقتدر بقدرته ، وعالم بعلمه ، ومتصرّف بتصرّفه ، ولذا ترى كثيرا من الأقطاب من الصوفية يظهر منهم بعض ما لا يظهر من غيرهم فيغترّون به ، فيضلَّون ويضلَّون غيرهم . والحاصل : أنّ للنفس أيضا صفاء واقعيّا يصل إليه الإنسان بمتابعة الشيطان إلى أن يصير من أوليائه فيأخذ منه المطالب ، قال الله تعالى : إنّ الشياطين ليوحون