واشترط عليه أن يبغض الإيمان . ومن المعلوم أنّ هذا الشرط هو الشرط التكويني والجبلي يعني أنّ أصل كلّ منهما وحقيقته يبغض الآخر . وبهذا تمتاز الحالات الشيطانيّة التي تكون للمتصوّفة والملاحدة وللعصاة عن الحالات الربانيّة ، فأيّ حالة ترى نفسك فيها غير محبّ لبعض صفات العقل ولبعض المعارف المسلَّمة من الشرع ، فاعلم أنّه من حالات الشيطان ، ومن شعب الكفر والجهل ، وإن كنت مستأنسا بها وملتذّا ، ضرورة أنّ أيّ حال ربّانيّ يأتلف مع سائر المعارف والحالات الربانية كما لا يخفى ، وما كان من غيرها يخالفها ، وهذا هو الفصل لهما أصلا وفرعا . ولذا ترى الكافر الحقيقي يبغض المؤمن الحقيقي وبالعكس ، وكذا من اشتمل على بعض مراتب الإيمان فهو بهذا المقدار يبغض ما يقابله من مراتب الكفر ، وبالعكس فترى من اشتمل على بعض المراتب من الإيمان ، ولكنه مع ذلك متّصف ببعض صفات الجهل والكفر ، فهو حينئذ بهذا المقدار من صفات الجهل التي تكون عنده ، يبغض ما يقابلها من مراتب الإيمان التي لم يشتمل عليها ، ولذا يكون مؤمنا به تعالى لما فيه من بعض مراتب الإيمان ، ومشركا به تعالى لطاعته لغيره ولما أنكر من بعض مراتب الإيمان ، لأجل ما فيه من بعض مراتب الجهل ، ولعلَّه إليه يشير قوله تعالى : وما يؤمن أكثرهم با لله إلا وهم مشركون 12 : 106 [1] . ففي تفسير الصافي وفي الكافي عن الصادق عليه السّلام في هذه الآية : " يطيع الشيطان من حيث لا يعلم فيشرك " وسيجئ لهذا مزيد توضيح في محلَّه . ثم إنّ من المعلوم أنّه لا يكاد يخلص الروح من صفات النفس والجهل كلا أو بعضا إلا بالعمل على طبق ما تقرر له في الشرع ، وبمتابعة العقل وإحيائه وإماتة النفس والجهل وجنوده .