قال بعض الأعاظم [1] : لما تمّت حيلة إبليس على آدم ، ونال بغيته بإيصال الأذية إليه ، وبلغ أمنيته بإيقاع الوسوسة عليه ، سأل ربّه - بوسيلة بعض صفات الله كالعزة والجلال - الإنظار إلى يوم يبعثون فأجيب : إلى يوم الوقت المعلوم ، أخذ لنفسه جنة ، غرس فيها أشجارا ، وأجرى فيها أنهارا ، ووضع فيها أشكالا وهيئات وتماثيل وصورا ، شبيهة بما في الجنة من الصور الحسان ، ليشاكل الجنة التي أسكنها الله آدم ، وقاس عليها وهندس على منالها هندسة فانية لا بقاء لها ، وجعلها مسكن أهله وأولاده وذريته وجنوده ، وهي كمثل السراب الذي يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ، وذلك أنه من الجنّ ومن شأن الجن كما قيل : التخييل والتمثيل لما لا حقيقة له ، كذلك فعل إبليس وجنوده إنما هو تمويه وتزويق ومخاريق ، وتنميق لا حقيقة ولا حق عندها كالقياس المغالطي السفسطي ليصدّ لها بها الناس عن سنن الحقّ والصراط المستقيم ، وبذلك وعد ذريّة آدم كما حكى الله عنهم بقوله : ثمّ لأتينّهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين 7 : 17 [2] . وفي الآيات والأحاديث ما يدل على كيفية وسوسته لبني آدم ، وكيف كان فهو لعنه الله بهذه الأمور من الحسنات الخيالية المشابهة للحسنات الواقعية يوسوس في قلب ابن آدم ليضلَّه ، ولعلَّه إليه يشير قوله تعالى : وزيّن لهم الشيطان أعمالهم 27 : 24 [3] والله العالم . إذا علمت هذا فاعلم : أنّ الروح الذي علمت أنّه كان - مع قطع النظر عن هاتين القوتين ، قوة العقل والجهل - في كمال الصفاء ، قد تكدّر صفاؤه بعد أن صار في الأبدان ، لأجل اتصافه بغرائز صفات الجهل وجنوده ، فالإنسان في الدنيا العاري