إلى الدنيا ، ثم إنه تعالى قد أعطى لهذا الروح نوعين من القوة : العقل وما له من الجنود البالغ إلى اثنين أو ثلاثة وسبعين جنديا ، والجهل الذي هو روح الشيطان وما له من الجنود كذلك . فجاء الروح الإنساني في هذا الدنيا مع هاتين القوّتين ، ثم إنّه كما يكون للروح صفاء وبهاء حيث إنّه أقرب الأشياء إليه تعالى ، ولا يكاد يجده في نفسه إلا المؤمن الكامل ، ويكون للعقل وجنوده أيضا صفاء ، لأنّها الواسطة بين الروح والجهل ، فلصفائه يكون سببا لإخلاص الروح من الجهل إلى صفائه الأصلي ، فكذلك يكون للجهل أيضا بما لها من الجنود أيضا صفاء ، لكن يختلف سنخ صفائه مع صفاء الروح نحو اختلاف صفاء النار مع النور . فالجهل الذي هو روح الشيطان له صفاء وإلا ما قدر الشيطان أن يغوي ابن آدم ، ولأجل صفائه هذا اغترّ الشيطان وقال جوابا عما سأله الله تعالى عن تركه للسجود بقوله : خلقتني من نار وخلقته من طين 7 : 12 ، فإنّه لمّا رأى صفاء النار وأفضليّتها على الطين وكدورته اغتر بها ، إلا أنّه لمكان رسوخ الكبر فيه قد ستر عليه مشاهدة صفاء الروح ، الذي كان في آدم عليه السّلام وكذا من كان متكبّرا يكون محجوبا عن مشاهدة صفاء الروح . والشيطان أيضا له صفاء ، ولذا ورد أنّ للشيطان سريرا بين السماء والأرض يلبّي أولياءه ، وقد كان بعض الصوفية ( عليهم لعائن الله ) رأى هذا السرير ومن عليه فظن أنّه الله ، وكان يعبده مدّة مديدة إلى أن سمع هذا الحديث فجعل يضرب على وجهه لما انكشفت عليه ضلالته ، ثم إنه كما يكون للشيطان صفاء ، فكذلك لجنوده من الغضب والشهوة والحسد وغيرها يكون لكلّ منهما بالنسبة إليه صفاء ، ولهذا الصفاء الناري والوهمي أمكن أن يوسوس في قلوب بني آدم ليضلَّهم عن سبيل الله .