فاعلم : أنه ربما يتوهم أنّ المخترعات التي التزمت بها الفرقة الضالة من الصوفية داخلة في واقع تلك الأمور والمعارف الصعبة ، التي أشير إليها في تلك الأحاديث مع أنه من البطلان بمكان من الوضوح فلا بد من بيان ما يندفع به هذا التوهم . فنقول مزيدا على ما مرّ من الكلام وتوضيحا له قد علمت فيما سبق : أنّ لهذا الدين معارف جمّة لا يكاد يصل إليها إلا من سبقت له من الله الحسني ، ولا يكون إلا لمن استجاب لدعوة ربّه لقوله تعالى : للذين استجابوا لربّهم الحسني 13 : 18 [1] ومن شرح الله صدره للإسلام . وإن الغرض من إرسال الرسل ، وإنزال الكتب هو سوق الناس إليها ، وليتسبّبوا بها إلى تحصيل معرفته تعالى ، التي هي المقصود من الخلق ، قال الله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 51 : 56 [2] ولا يكاد تحصل العبادة له تعالى كما ينبغي له إلا بمعرفته تعالى . قال الله تعالى لنبيّه صلَّى الله عليه وآله ليلة المعراج في حق الكاملين العارفين : " ويعظَّمونني حقّ عظمتي " فصحّ تفسيره بقولهم عليهم السّلام : أي ليعرفون . ويشير إليه ما رواه في تفسير الصافي عن الصادق عليه السّلام : خرج الحسين بن علي عليه السّلام على أصحابه فقال : " أيها الناس إنّ الله جلّ ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، وإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه ، فقال له رجل : يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي ما معرفة الله ؟ قال : معرفة أهل كلّ زمان إمامهم ، الذي تجب عليهم طاعته " فعلم منه أنّ المقصود الوحيد من الخلق هو المعرفة به تعالى . ثم إنّ تفسيره عليه السّلام معرفة الله بمعرفة الإمام ، فلأنه لما كانت معرفته عليه السّلام مستلزمة لمعرفته تعالى ، أو أنّ معرفته تعالى لا تكون ابتداء إلا من طريق معرفتهم ، أو أنّ معرفتهم وجه لمعرفته تعالى وشأن من شؤونه ، ضرورة أنهم وجه الله ، ومن قصده