للقسم الأول من المنكرين له تعالى ، بل ربما اقتصر للأول بمجرد قول لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله ، بل بمجرد الإقرار بالتوحيد في بعض كما لا يخفى . وهذا بخلاف القسم الثاني فإنه ربما جعل لهم مضافا إلى الأعمال السياسات الشرعيّة كما ينبئ عنها كتاب الحدود ، بل ويجعل لهم أحكاما مستحبّة مؤكَّدة لم تكن لغيرهم ، ونرى أنّ الشارع يمكَّن تلك الأعمال العبادية مطلقا وترك المحرمات في قلوبهم بالوعد بالجنة والوعيد من النار ، وهكذا بالنسبة إلى الطائفة الثالثة والرابعة يشتدّ الأمر والتكليف من لزوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالنسبة إلى غيرهم ، ومن لزوم تبليغ الأحكام للجاهلين ، ومن اشتمالهم على الأخلاق الحميدة من الصبر على الأذى وغيره في ترويج الدين ، وفي تربية نفسه بما لا يكون على غيرهم . ثم نرى أنّه تعالى يعامل الطبقة الأخيرة من الكاملين بما لهم من القسمين خصوصا الأخير منهما ، ما لم يعامل مع غيرها فنرى أنه تعالى يحثّهم على ترك أمر لم ينه عنه غيرهم كقوله لداود عليه السّلام : " فإنّما أبحت الشهوات لضعفة خلقي ، فما بال الأقوياء أن ينالوا الشهوات فإنّها تنقص حلاوة مناجاتي " . والحاصل : أنه رب مباح للسابقة يكون منهيا عنه للأخيرة ، ولذا قيل : " حسنات الأبرار سيئات المقربين " ثم إن هذه الدعوة الأكيدة منه تعالى تكون لكلّ أحد إلا أنه لم تكن لمن قبل هذه الطائفة ، لقصورهم ، وإلا فجميع الخطابات الشرعيّة إنما هي بداعي إيصال العبد إلى مقام الخلوص إليه ومقام معرفته ، ولا يوجد كلام في الكتاب أو في السنة من أي باب فرض إلا وهو مسوق بهذا الداعي ، إلا أنّ أهل البصيرة يدركون هذا الأمر لا محالة . فعلم مما ذكرنا : أنّ المراد من قولهم : إنّ حديثنا صعب مستصعب يشير إلى تلك المعارف الخفيّة ، وسيجئ توضيحها قريبا . خاتمة : قد علمت من الأحاديث السابقة أهمية أمر الولاية بما لها من المعنيين