بما لها من التوسعة في عالمها بالألفاظ في مقام البيان ، إنّما هو بنحو يمكن تفهيمها في هذا العالم ولو بضرب من المجاز والمشابهة ، ولذا لا يقدر على هذا التعبير إلا الكامل الحقيقي ، العارف بسنخيّة المشابهة المفهمة ، وأما غيره فلا يمكنه ذلك . ولذا نرى كثيرا من المتعرفة والصوفيّة ( لعنهم الله ) يخبرون عن أمور تخالف الضروريات من الدين ، وليس هذا إلا لقصورهم عن الكمال كما سيأتي الإشارة إليه ، هذا مع أنّ حقيقة بعض المعارف لا يمكن بيانها أصلا ، ولا يعلمها إلا من يسري روحه في العوالم العلوية ففيها يرى من عظمته وأنوار جلاله وجماله ما يبهر عقله ، ويحار لبّه . وإلى ما قلنا من عدم إمكان بيان بعضها يشير قوله تعالى : فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين 32 : 17 ضرورة أنّ المصداق لقرة أعين كان معلوما عنده تعالى ، وإنما لم يبيّنه لقصور هذا العالم عن إمكان البيان فيه ، لا لعدم قدرته تعالى ، نعم : هو قادر بجعل الدنيا آخرة ثم بيانها . وفي الحديث : " أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر " ولعمري إنّ ما كان كذلك ، كيف يمكن بيانه إلا إذا انشرح الصدر للإسلام ؟ . هذا بل لا بد للإنسان لنفسه أيضا من أن يتعامل معها بالرفق عملا وعقيدة ، فلا يعتقد إلا بما عليه المحكم من الدليل على حسب فهمه ، ضرورة أنّ السير الموصل هو ما كان عن دليل محكم شرعي ، وإلا انحرف ، ولا يكون العلم إلا ما خرج منهم عليهم السّلام ، قال الصادق عليه السّلام لحكم بن عيينة وصاحبه : " شرّقا وغرّبا فلا تجدان علما صحيحا إلا شيئا خرج من عندنا " ولا يعمل أيضا إلا بما يحفظ معه الرفق على نفسه . ففي الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : " لا تكرهوا إلى أنفسكم العبادة "