وروي عن أبي جعفر عليه السّلام : " إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق " أي فأدخلوا [1] . والحاصل : أنه لا بدّ من الرفق على نفسه وعلى غيره ، وإلا كسر غيره ونفسه ، فيحرم عن الترقي ، بل اللازم هو السير الروحي بالعمل على طبق ما قرر له من العبادة بما ثبت له من المسلَّمات والمحكمات الشرعية ، فمن أخذ بهذه المسيرة فلا محالة تنكشف له الحقائق والمعارف شيئا فشيئا ، هذا والعجب من بعض الفلاسفة وبعض المتعرفة كيف أنهم يتكلَّمون في ذات الله تعالى مع النهي عنه . ضرورة أنّ البحث في علمه تعالى الذي هو عين ذاته المقدسة بحث عن الذات ، إلا أن يقال : إنّ البحث عنه يرجع إلى بيان كيفيّة تعلَّقه بالمعلومات ، وهذا خارج عن الذات . فتأمل فإنه دقيق غامض موجب للمزلَّة . عصمنا الله تعالى من الزلل . ففي توحيد الصدوق بإسناده عن المفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : " يا مفضّل من فكر في الله كيف كان هلك ، ومن طلب الرياسة هلك " . ضرورة أنّ ذاته تعالى لا تحيط بها الأوهام ، بل هو محيط بها ، فكيف يصير محاطا بها ؟ على أنّ سنخ ذاته تعالى مخالف لسنخ الخلق ، فقد دلَّت أخبار كثيرة على أنّ الله خلو من خلقه ، وخلقه خلو منه ، فكيف يمكن تماسّ المخالف ؟ مع المخالف وسيأتي في بابه بيانه . نعم لمعرفته تعالى معنى ستأتي الإشارة إلى بيانها . والحاصل : أنّ غير البصير بأمر من المعارف لا يصحّ له الكلام فيها فضلا عن الذات العليا ، فهو ممنوع عنه مطلقا حتى للبصير ، ولا يكاد يتكلَّم غير البصير إلا بنحو الجدل والمخاصمة ، ولا يخاصم إلا من ضاق صدره . ففي التوحيد بإسناده عن كليب بن معاوية قال : قال أبو عبد الله عليه السّلام : " لا يخاصم إلا من ضاق بما في صدره " . والحاصل : أنّ غير البصير إذا أراد البصيرة فلا بد له - مضافا إلى عدم إنكاره للمعارف الإلهية ، ضرورة أنّ الإنكار هو المانع الوحيد لانفتاح باب بصيرة القلب -