الأول في أيّ خبر هو العلم بالأحكام وبالمعارف بصورة علميّة ، والعلم الثاني المتولد من العمل هو روح المعرفة في أيّ باب بالنسبة إليه ، ثم يزداد هذا الروح العرفاني إلى أن يشتمل بحقيقته الأصلية في ذلك الأمر ، فالعرفان الشرعي هو هذا العلم المتولد من العمل وهكذا ، لا الأمور المأخوذة من الفلسفة ، أو من منتزعات النفس ومكاشفاتها ، فإنها لازم أعم للنفس وللروح الكامل بل المكاشفة في الناقص دائما تكون عن النفس ، كما حقق في محلَّه ، وستجيء الإشارة إليه . فالمؤمن بالعمل والتعبد يصل إلى مقام يزهر قلبه كالمصباح ، فيكشف له الواقعيات فهو يرى ما لا يرى غيره ، فحينئذ ترى من كثر علمه بالنسبة إلى المعارف المأخوذة من الشرع الأنور ، الذي لم يستضئ بنور المعرفة لم تنكشف عنده حقائق المعارف ، لعدم تهذيب نفسه ، فتراه يعارض من هو عالم بها مع العمل ، بحيث انكشفت له تلك الحقائق وإن كان لم يعلم كيفيّة بيانه . وإلى هذين القلبين يشير ما في الكافي بإسناده عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : قال لنا ذات يوم : " تجد الرجل لا يخطئ بلام ولا واو خطيبا مسقعا ، ولقلبه أشدّ ظلمة من الليل المظلم ، وتجد الرجل لا يستطيع تعبيرا عمّا في قلبه بلسانه ، وقلبه يزهر كما يزهر المصباح " [1] فدلّ على أنه يمكن أن يكون الرجل متبحرا في العلم ، ومع ذلك يكون قلبه أشدّ ظلمة من الليل المظلم . ومن المعلوم أنّ النزاع بينهما لا يرجع إلى محصل ، ضرورة أنّ هذا المظلم قلبه لا يفهم من كلمات الأحاديث إلا ما يتصوره بذهنه المظلم ، ولا يكاد يصل إلى حقيقة الأمر ، والآخر الذي يزهر قلبه كالمصباح قد عرف الحقّ من المعارف ، مع أنّ المدرك لهما واحد ، ضرورة أنّ كلمات الأئمة عليهم السّلام كما دلَّت عليها الأخبار في الكافي : " لها بطون كالقرآن لا يصل إليها إلا من شرح الله صدره للإسلام " وإلى هذا يشير