السعادة الأبديّة ، أي إلى النعيم الأخروي ، وإلى مقام المعرفة به تعالى ، وإلى مقام الوصل والفناء عن النفس والبقاء بالرب ، فبالعمل الصالح وتكرّره وعدم وجود المعاصي الموجبة لحبط آثارها تصير هذه المعارف راسخة في القلب ، وبقوة العمل الموجب لنورانية القلب ترتفع الحجب الظلمانية عن القلب فتحصل المعرفة . وإلى هذا كلَّه يشير ما ورد عن الجواد عليه السّلام من قوله : " القصد إلى الله بالقلب أبلغ من أتعاب الجوارح " أي المهمّ هو أمر القلب والقصد به إليه تعالى ، وهو لا يكون إلا بالمعرفة ، فالعمل الصادر عن معرفة يوجب الترقي والوصول إلى السعادات الأبدية ، فالعمدة حينئذ المعرفة ثم العمل لا زيادة العمل كما سيأتي بيانه أيضا ، فهذا هو المراد من العمل المندوب إليه في السير إلى الله تعالى ، وليعلم أنّه ليس المراد أنّ تعلَّم فنون العلم ممنوعة ، بل المراد أنّ الأهمّ للمؤمن هو العمل عن علم صحيح بما يصلحه ويوجب انقطاعه إليه تعالى ، ثم اشتغاله بعد نيل الحظ الوافر منه بسائر العلوم كلّ على حسب ما يليق به حالا وزمانا . ثم إنّ أغلب النزاع الحاصل بين الأعلام بالنسبة إلى المعارف الإلهية كما هو دأب كثير من علماء زماننا إنما هو ناشئ من ذلك . توضيحه : أنّ دين الإسلام إنّما هو بصدد إيصال الناس إلى أمرين : الأول : العلم الموصل للمعارف . الثاني : العمل بنحو يوجب اتصاف روح العامل بتلك المعارف التي علمت أنّ لها وجودا واقعيا قد حكى عنه لسان الشرع كما يدل عليه قوله تعالى : لكلِّ نبإٍ مستقرّ وسوف تعلمون 6 : 67 [1] ولا يكاد يتضح واقع كثير منها إلا للعامل بالوظيفة . ضرورة أنّ الاتصاف بواقعها لا يكون إلا بالعمل كما سيأتي في بيان الإيمان ومراتبه ، من أنّ الإيمان من العمل والعمل من الإيمان والإيمان عمل كلَّه ، فالعلم