وكيف كان : فأذهانهم مشحونة بهيئات نفسانيّة تمنعهم عن الإخلاص والانقطاع إليه تعالى ، وليس ذلك إلا لتركهم ما أمروا به من العمل بما يوجب تهذيب النفس ، ورسوخهم فيما لم يكلَّفوا به ، بل ربما صار ترسّخ هذه الهيئات العلمية في نفوس بعضهم سببا للقطع بأنه لا معارف إلا ما علموه بالفلسفة ، ولذا ترى بعضهم يعظَّمه كتعظيم القرآن . وهذه الطائفة من الذين يميلون قلبا إليها كما أشير في المروي عن العسكري عليه السّلام كما سيأتي من قوله : " علماؤهم شرار خلق الله على وجه الأرض ، لأنهم يميلون إلى الفلسفة والتصوّف " ضرورة أنّ الظاهر منه هو الذي يميل قلبه إليها بحيث يأخذ منها العقيدة لا من أكمل عقيدته من المدارك الصحيحة ، فإنّه لا تضرّه الفلسفة وإن اشتغل بها تعليما وتعلَّما كما هو ديدن علمائنا رحمهم الله . فمجرّد الاشتغال بها غير مذموم إلا إذا كان بقصد العقيدة ، ولعمري إنّ غير المهذب لا محالة يقع في هذا الخطر ، فينبغي لمدرسي الفلسفة أن يمتحنوا تلامذتهم بالأخلاق وحسن العقيدة بأصول الدين ، وإلا فلو كانوا ضعفاء فيهما فلا ريب في أنّ تعليمها أشدّ ضررا على الدين من السمّ القاتل ، حفظنا الله تعالى من ذلك . ومن هؤلاء من يقطع بأنّه لو كان شيء من المعارف فهو مختصّ بمحمد وآله صلَّى الله عليه وآله لا يتجاوز غيرهم ، ولعمري إنّ هذا هو الفقر الذي يعدهم الشيطان لقوله تعالى : الشيطان يعدكم الفقر 2 : 268 [1] . نعم : تقدّم وسيأتي أنّ هناك معارف تختصّ بهم عليهم السّلام إلا أنّه مع ذلك هناك معارف يصل إليها أولياء الله من المؤمنين في كلّ زمان كما يشير إليه قوله عليه السّلام في نهج البلاغة : " فما برح لله جلت آلاؤه في البرهة بعد البرهة وفي أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم ، وكلَّمهم في ذات عقولهم ، فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع والأبصار والأفئدة " .