ومنها : العلم الشهودي الإشراقي المطابق للواقع المعبّر عنه بالكشف الصحيح ، وهذا أقوى من المرتبتين السابقتين ، كإيمان أهل السلوك وأصحاب الكشوف ، وتكون مرتبته عين اليقين . وكل هؤلاء أولياء الله تعالى ، والله تعالى وليّهم ، وتتفاوت درجاتهم على حسب درجات إيمانهم ، وهؤلاء وإن كانوا قد خرجوا بإيمانهم عن الشرك الجلي ، وحصل لهم القرب المعنوي بالنسبة إليه تعالى ، إلا أنهم لا تخلَّص لهم عن الشرك الخفي ، كما يتضح عند وضوح الولاية الخاصّة . وأما الولاية الثانية : أعني الولاية الخاصة ، فهي تختص بالسالكين عند فنائهم في الحقّ ، بالمعنى الآتي ذكره ، وبقائهم به تعالى علما شهودا وحالا ، لا علما فقط ، وهؤلاء أصحاب القلوب ، وأهل الله الفانين في ذاته ، الباقين ببقائه ، صاحبي قرب الفرائض . وإليهم أشير في قوله تعالى : ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون 10 : 62 [1] وفي قوله تعالى في الحديث القدسي : أوليائي تحت قبابي ، وهؤلاء هم الذين نضّوا [2] جلباب البشريّة وخلعوها ، وتجاوزوا عن قدس الجبروت ، ودخلوا في قدس الَّلاهوت ، وهم الموحّدون حقا . وبعبارة أخرى : الولاية الخاصة عبارة عن فناء العبد في الحق ذاتا وصفة وفعلا ، المعبّر عنه في كلمات بعضهم بالمحق عن الأول ، وبالطمس عن الثاني ، وبالمحو عن الثالث ، وبها يحصل التوحيد الذاتي والصفاتي والأفعالي ، بل والتوحيد الأثري ، وهؤلاء حقيقتهم يشار إليهم من قوله تعالى يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنيّ الحميد 35 : 15 [3] هذا بلحاظ فنائهم في الأمور الثلاثة .