الغيب بمستيقن ومشاهدة عيانا ، كما لا يخفى هذا على قراءة ظنين بالظاء أخت الطاء أي بمتّهم لعدم يقينه كما لا يخفى . والحاصل أنّ العلم العياني لا يكون إلا بالنور الكشفي موهوبا لذوي اللب ، الذين هم قد عرجوا إلى الأفق المبين ، وجاوزوا إلى المقام - أو أدنى - كما كان هذا ، وكما هو حقّه للنبي الأعظم صلَّى الله عليه وآله كما حكاه الله تعالى له ، فقال تعالى : ما كذَب الفؤاد ما رأى 53 : 11 [1] فهناك يرون الأشياء كما هي ، فالذين يحذون حذوهم أعطوا من علمهم بحسب سيرهم في مسيرهم عليهم السّلام ، رزقنا الله تعالى ذلك . والعالم متى لم يكن علمه مستفادا من الله تعالى بلا وساطة الكتب والمعلَّمين فليس من وراثة الأنبياء ، لأن علومهم لدنيّة لا تستفاد إلا من الله . وإليه تشير الآيات والأحاديث الواردة في الباب . ففي طرائف الحكم للآشتياني قدّس سرّه عن البحار : قال أمير المؤمنين عليه السّلام : " من زهد في الدنيا ولم يجزع من ذلَّها ، ولم ينافس في عزّها هداه الله بغير هداية من مخلوقه ، وعلَّمه بغير تعليم ، وأثبت الحكمة في صدره وأجراها على لسانه " فقوله عليه السّلام : وعلَّمه بغير تعليم ، أي من مخلوقه ، بل هو تعالى معلَّمه وفي الحديث : " المؤمن يعقل عن الله تعالى " وتقدّم قول أمير المؤمنين عليه السّلام : " ناجاهم في فكرهم وكلَّمهم في ذات عقولهم " . وفي الحديث أيضا : " المؤمن ملهم ، المؤمن محدّث ، " وليكن يعلم أنّ المؤمن إنما يأخذ علمه عن الله تعالى ، عن طريق الشرع من الآيات القرآنية والسير في الآيات الآفاقية ، وتطهير السرّ على النحو الوارد في الشرع ، فهو كما تقدّم بسر المتابعة عن النبي والأئمة عليهم السّلام يسير في المعارف ، ويأخذها عن الله تعالى كما لا يخفى ، لا أنّه يكون كالنبيّ يوحى إليه مستقلا . ونبيّن في شرح قوله عليه السّلام : " ومهبط الوحي ، " ما يوضح ذلك . فإذا اتصفت مواد العلم بحقيقة التقوى ، ونقي مصدرها من شوائب الهوى ، أمدّته