النادر أيضا لا يحصل له اليقين فيما وراء طور العقل كأحوال الآخرة ومشاهدة أنوار الجبروت وغيرها ، مما ليس للعقل فيه دخل إلا بالمبالغة في الرّياضة والتصفية ، ورفع الغشاوات ورفضها . فتحصل مما ذكر أنه ليس لنا طريق إلى حصول العلم اليقينيّ بكماله إلا بمتابعة الأنبياء والأولياء من الأئمة عليهم السّلام ثمّ الواصلين بسببهم ، وسلوك طريقهم المستوي وصراطهم المستقيم . ولذا ترى الشرع المطهّر يبالغ في متابعتهم أي الأنبياء والأئمة عليهم السّلام والأخذ بقولهم ، والمشي على طريقهم ، وتهذيب النفس بتهذيبهم ، وترك الاعتراض عليهم ، وعدم الاعتماد على مدركات العقول ، فإن دين الله لا يصاب بالعقول كما وردت به أحاديث كثيرة . وروي عن عليّ عليه السّلام أنه قال : " إنّ العقل لإقامة رسم العبودية لا لإدراك الرّبوبية " [1] . أقول : أي أنّ العقل إنما أعطي ليطيع الإنسان خالقه ، ويعلم به كيفيّة العبودية ، لا ليدرك الأشياء ، ودرك الربوبية وما وراء طور العقل . فالعاقل اللبيب من كان مطيعا لهم عليهم السّلام وعاملا بما أمروا بعمله ، ليصلوا به إلى معرفته تعالى . ولعمري إنّه لو كان العقل ومدركاته كافيا للوصول إلى الواقعيات لما احتيج إلى إرسال الرسل وإنزال الكتب . وسيجئ في الشرح مزيد بيان لهذا في محلَّه إن شاء الله تعالى . ثمّ إنّه يؤيّد بل يدل على ما قلناه : إنّا نرى كثيرا من الحكماء وأصحاب البحوث والمجادلة ممّن أخذت الغطاية بيديه واقتصر بها ، وأدرك المعقولات بفكره ورأيه ،