وحينئذ عند رجوعه إلى الخلق تكمّل له الشهود في مراتب الوجود ، فتكون قوة شهوده أفضل ، ويكون لسان حاله حينئذ : " تعرّفت إليّ في كلّ شيء ، فرأيتك ظاهرا في كلّ شيء " ويكون اقتداره على التصرّف في الخلق عند رجوعه عن الحقّ أكمل . فإن كان نبيّا أو إماما فتصدر منه المعجزات ، وإن كان غيرهم يصدر منه خرق العادات ، كما يشاهد هذا كلَّه منهم . ثمّ إنّ العلم الحقيقي بالمعلومات الوجوديّة لا يحصل لأحد إلا بالتجلَّي الإلهي طبقا ، أي على طبق تنوره بالنور الإلهي ، ومن الحقّ عند وصوله ، كما لا يخفى . وإليه يشير قوله عليه السّلام في دعاء أبي حمزة : " بنورك اهتدينا " الدعاء . ثمّ اعلم أنّ علم الأنبياء عليهم السّلام لا يكون إلا من الوحي الخاصّ الإلهيّ ، لأن قلوبهم ساذجة من النظر العقليّ والعلم الاكتسابي ، فلا محالة هم عليهم السّلام يعلمون الواقعيّات كما هي عليه بالوحي والتجلَّي الإلهي . وأما غيرهم فعلومهم لا تخلو إمّا أن تكون من الأخبار . ومعلوم أنها تقصر عن إدراك ما لا ينال إلا بالذوق والمشاهدة القلبيّة ، فإن الإخبار لا يكون مفادها إلا صورا قائمة بالنفس ، وهي وإن فرض مطابقتها للواقع إلا أنّها ليست بمثابة المشاهدة ، بل هي صور محضة قائمة بالنفس ، كما لا يخفى . إمّا من الحواس فلا سبيل لها إلى إدراك بواطن الأشياء وأسرارها . وإنما تدرك من الأشياء ظواهرها وأشكالها ، ولا تدرك إلا مجملات الأمور ومركَّباتها دون تفاصيلها ومبسوطاتها . وإمّا من العقل بحسب قوته النظرية وترتيب المقدمات ، والأشكال القياسية المدوّنة في المنطق . وهذا معلوم أنّه لا يمكن أن تعرف بها حقائق الأشياء ، لأن القياسات لا تفيد إلا إثبات المفهومات الذهنية ، وإلا إثبات الأمور الخارجة عن أطوار الأكوان الوجودية . وبعبارة أخرى : إنّما تثبت أمورا خارجة عن حقائق الأشياء ، وعن الطوارىّ الوجوديّ لها في الخارج ، فلا تثبت إلا أمورا لازمة لحقائق الأشياء لزوما بيّنا أو غير بيّن بنظر العقل . وأين هذا من مشاهدة الواقعيات على ما هي عليه ، هذا في