فالسالك في الحقيقة هو الذي يقطع الحجب الظلمانية ، وهي البرازخ الجسمانية ، والنوريّة وهي الجواهر النورانيّة ، بكثرة الرياضات الشرعيّة والمجاهدات العشقيّة الموجبة لظهور المناسبات ، التي بينه وبين ما يصل إليه في كلّ خلع ولبس وموت وحياة من النفوس والعقول المجرّدة ، إلى أن يصل إلى المبدإ الأعلى وعلة العلل . فإذا لم يكن للسالك جذبة ، بل يكون سيره بمجرد العلم والرياضة ، فلم يصل من هذا الطريق إلى المقصد لبعد مرامه وطول طريقه ، وكثرة عقباته وآفاته . وأما إذا لحقته عناية ربانية خاصّة لأجل طريق خاصّ له ، ولأجل وجه خاصّ يكون لكلّ قلب إلى ربه ، فحينئذ لا محالة يقطع الحجب بالجذبات الإلهيّة من غير أن يعرف المنازل والمقامات . وهذا النحو من الطريق أي طريق الجذبة يخصّ لكل أحد طريق خصوصيّ شخصيّ يسمّى ب " طريق السرّ " . فإذا سمعت عن عارف أنه قال : " حدّثني قلبي عن ربّي " يشير إلى هذا الطريق . وإليه يشير قوله عليه السّلام في النهج : " وما برح لله جلَّت آلاؤه في البرهة بعد البرهة ، وفي أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم ، وكلَّمهم في ذات عقولهم " [1] . فقوله عليه السّلام : وكلَّمهم في ذات عقولهم ، يشير إلى هذا الطريق المخصوص لكلّ أحد الحاصل بالجذبة الإلهيّة . وإليه يشير ما قاله سيد البشر صلَّى الله عليه وآله : " لي مع الله وقت لا يسعني فيه ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل " لكونه من الوجه الخاصّ الذي لا واسطة بينه وبين ربّه . فإذا رجع هذا السالك الذي يسلك الطريق بالجذبات الإلهيّة من الحقّ إلى الخلق مع تنوّره بالنور الإلهي ، وتحققه بالوجود الحقّاني . فلا محالة حينئذ يحصل له العلم من العلَّة أي من الحقّ الواصل إليه بالمعلول أي الخلق ، عند رجوعه إليهم .