ونزّهوا المبدأ عن توهّماتهم . وبأن يطلع آخر على عكسه أي عكس الشيء في المرآة ، وهذا حال من تخيّل المبدأ بأمثلة جسمانيّة ، لعدم قدرته على الدرك له فوق ذلك ، فهو أدنى المعارف المصحح توحيده بواقع الأمر ، وتنزيه الأوّل عن لواحق الجسمانيات . وبأن يطلع آخر على تمثاله الذي هو صورة النقاش ، فإنه لا يكاد ليصل إلى معرفة الشيء إلا من صورته المنقوشة ، فمعرفته تعالى هكذا إن لم يشفع بالإيمان ، فهو شرك وضلال ، كما لا يخفى . إذا علمت هذا فاعلم أنّه قد تحقق في محلَّه أنّ مبادئ الأفعال الاختيارية الإنسانية ، التي هي من باب الحركات والسلوك إلى ما يجده مؤثرا عنده ومطلوبا لديه إنما هو الشعور والدرك بما هو المقصود من الطلب ، وإنما هو العلم بآخر ما ينتهي إليه القصد . فكان أول الفكر آخر العمل ، ومبدأ البغية والطلب هو منتهى الوصول ، فحينئذ لا محالة البداية تناسب النهاية ، والفاعل بمقدار شعوره متحد مع الغاية التي هي عين شعوره الابتدائي للمقصد . وحينئذ نقول : إذا كان الإدراك والشعور المرتّب عليه الحركة والطلب مختلفا حسب تلك الطوائف المتقدم بيانه ، فلا محالة إن كان الإدراك والطلب عن شعور حسّي غير متجاوز لغيره فالمطلوب لا محالة يكون حسيّا ، ولا يمكنه التجاوز عنه كالأكل والشرب والوقاع وغيرها . فهذا لشخص يكون سيره وحركته يدور مدار المحسوسات المادّية ، لأنّ مبدأ تحرّكه وشعوره لم يتجاوز المحسوسات كما لا يخفى . وإن كان الإدراك والشعور وهميّا ، فالمطلوب يكون أمرا موهوما كالظفر على العدوّ ، والوصول إلى الرياسات الوهميّة . وإن كان الإدراك والشعور عقليّا فالمطلوب يكون عقليّا كالإحاطة بالمعقولات والترفّع عن المحسوسات . وإن كان الإدراك إلهيّا ، فالمطلوب إلهي ، كالعبودية التامّة والشهادة الكاملة بالذات المقدسّة بقصر النظر فيها ، وترك الالتفات إلى الأغيار والرجوع إلى الواحد