يتخيّلوا له بأن يثبتوا له صورة خيالية ، بل هم ينزّهون المبدأ عن الأمور الخيالية والجسمانية لإيمانهم بواقع الأمر بالنسبة إلى المبدإ تعالى . والحاصل إنّ فكرهم لا يعرج إلى أزيد من تصورات وهميّة ، لقصور باعهم من المعرفة إلا أنهم مع ذلك لإيمانهم ينزّهون المبدأ الأول عمّا يتخيّلونه ، فهم مؤمنون بالواقع ومعرضون عن خيالاتهم بالنسبة إلى المبدإ والمعاد ، فبهذا اللحاظ هم مؤمنون غير عارفين ، كما لا يخفى . الطبقة الرابعة : أهل التسليم وهم الذين يسلَّمون القول في المبدإ تعالى إلى واقعه ، ويؤمنون به كما هو هو ، ولا تتمكن منهم الأمور الوهمية التي كانت لسابقتهم ، فهم غير خارجين عن الخيالات ، فلا يزيد علمهم عن الخيالات حتى الوهميّات ، فهؤلاء إذا توجهت نفوسهم إلى المبدإ تفرّد لهم الحقّ وملكوته الأعلى بأمثلة جسمانية يتخيلونها ، أي يتخيلون المبدأ والمعاد بأمثلة جسمانية ، لعدم إمكانهم الصعود إلى فوق ذلك ، لغورهم في الجسمانيات إلا أنّهم لإيمانهم ينزّهون المبدأ والمعاد عن لواحق الجسمانيات وهؤلاء من أدنى أهل المعرفة والإيمان بالمبدأ الأول تعالى وتقدس ، وإنما يصحح أمور دينهم بالإيمان بواقع الأمر لا بمدركاتهم ، فإنّها قاصرة عن درك الواقع . ودون هذه الطبقة قوم قاصروا النظر بحيث لا يكادون يتصوّرون غير الجسمانيّات في خطر التشبيه والتجسيم والانحراف . فإن آمنوا بمثل إيمان الذين من قلبهم فلعلّ الرحمة الإلهية تشملهم وإلا فهم أهل ضلال وانحراف . ومثّل بعضهم هذه الدرجات في المعرفة بأن يشاهد أحد ذات الشيء بشخصه وهويّته مثلا ، فهو عارف به حقيقة ، وهذا من قصر نظره في الذات وقد تقدم شرحه . وبأن يطَّلع آخر على حقيقة شيء وماهيّته عقلا من دون مشاهدة ذاته فهذا حال معرفة أفاضل الحكماء كما تقدم . وبأن يطلع آخر على صورته الخيالية كما هو حال أهل التسليم . فإنّ معرفتهم إنما هي بالوهم إلا أنّهم بالإيمان صحّحوا دينهم