يرى وقوع المعاصي الكبيرة منافيا لذاته المقدسة ، ولقدرته الكاملة النافذة ، وأنّ عذابه تعالى لهم ولو بالخلود لا ينافي نزاهة ذاته المقدسة ، بل يرى أنّ رحمته الواسعة الذاتية تشمل العباد ، ولا أقل من إمكان شمولها لهم ، وأنّه تعالى له أن يصلحهم برحمته الواسعة كما في الدعاء : " وباسمك الذي يصلح به الأولون والآخرون " فالعارف لا ينظر إلى الخلق بلحاظ كونهم إمّا مظاهر جماله أو مظاهر جلاله وهما عنده سيّان ، بل نظره بالذات المتعالية فقط . فبالنسبة إلى نفسه فمعناه أنّه لا يبالي عاش مغمورا في مظاهر اللطف من سعة الرزق ، والسلامة في البدن ، والأمن في البلد ومن السلطان ، ومن ساير المكروهات والمنافيات الروحية والجسمية ، أو كان مغمورا في البلاء والمصيبة والآلام والأسقام ، والظلم من غيره من الناس ومن السلطان ، والفقر والفاقة ، كما نرى الأنبياء والأئمة والأولياء كيف كانوا مبتلين بالمصائب والآلام ، وغصب حقوقهم ، وأنهم قد قتلوا وأوذوا من أهل زمانهم ، ولعل الآيات والأحاديث الدالة على أنّ المؤمن مبتلى بتلك المصائب وبأنواع البلايا ، وأنّ الله تعالى يتحف أولياءه بالبلاء ، وأنّ البلاء للأمثل فالأمثل يدل على ما ذكرنا حيث إنّهم أهل تسليم وانقياد لله تعالى ، ويرضون بما يفعله المحبوب لهم من الرخاء والبلاء ، بل ربّما يستقبلون البلاء لما يرون أنّ تحته أنواع اللَّطف ، فلا يستلزم قصر النظر في الذات المقدسة عدم الاكتراث والمبالاة بالمعاصي ، وأنّ هذه الصفة إحدى الصفات المذمومة لأهل المعصية بلحاظ سوء اختيارهم ، لا بلحاظ قصر النظر في الذات المقدسة فتأمل تعرف . ولعمري إنّ التأمّل في الأحاديث الواردة في أنّ المؤمن مبتلى يوضح ما قلناه ، وقد عقد باب في البحار لبيان الأحاديث الواردة في ابتلاء المؤمن ، فراجعها ، ولهذا الكلام مجال عريض مذكور في محلَّه . ثانيا : إنّه لمّا علمت أنّ المعاصي إنما هي من سوء اختيار العبد ، وأنّ منشأه