العيب ، وأنّ رحمته سبقت غضبه لا يوجب تجويز المعصية والجرأة عليها ، مع ما تقدم من أنّ ذلك لا يوجب سلب اختياره تعالى في أنّ يخلَّد العاصي في النار ، فهذا الاحتمال لا أقل كاف في الاجتناب عن المعاصي . وكيف كان ، لا منافاة بين حسن الظنّ به تعالى وأنّه سيعفو عن عباده بالنحو المتقدّم بيانه ، وبين الإلزام بظاهر الشرع وأنه لا بدّ من الطاعة والاجتناب عن المعصية . وممّا يوضح لك ذلك أنّه قد ورد في الأحاديث ، وسيأتي في الشرح أنّ من ارتكب معصيته ، وعلم بأنه تعالى له أن يعذّبه وأن يعفو عنه ، فلا تكتب له تلك المعصية . فنقول : أترى أنّ هذا الحديث يعطي تجويزا في المعصية بدعوى أنّه إذا علم أنّه تعالى له العفو وله العذاب عليها ، فلا يلزم حينئذ الطاعة وترك المعصية اعتمادا على هذا الاعتقاد ؟ كلا وربّ الكعبة كيف والقاصرون نظرهم في الذات المقدسة ، قد قرح قلوبهم بحبّه ، وصارت أرواحهم في هيمان بمحبته ، فهم دائما في مقام الحضور والمشاهدة وتحصيل رضاه ، فأين منهم المعصية وترك الواجبات ؟ بل لعمري إنّهم هم أهل الطاعة الحقيقية وترك المعصية حتى أقل المكروهات ، كما سيأتي البيان من مولاهم أمير المؤمنين عليه السّلام من قوله : " إنه ما ترك طاعة ولا أتى بمكروه أبدا " نعم قد يتسلَّط الشيطان على بعض فيوقعه في الاشتباه كما أوقع بعض المتصوّفة ( عليهم لعائن الله ) فيغترّ بنفسه وبربّه فيقع في الإباحة ، وهذا قطعا كفر محض ووقوع في الاغترار ، لعدم كشفه حقيقة الأمر كما قلناه . ثمّ إنه قد يقال : إنّ العارف الَّذي قصّر نظره في الذات المقدسة بحيث لا يبالي صار مظهرا لصفة اللطف أو القهر . فمعناه أنّه لا يبالي بالمعاصي فيقع في مورد القهر ، وهذا معلوم الردّ بما قلناه آنفا ، فيقع السؤال عن معناه فنقول : إنّ للسؤال موردين : فبالنسبة إلى غيره من العباد ، الذين هم أهل المعصية والكبائر ، فمعناه أنه لا