وبعبارة أخرى : تكون الصفات حين التوجه إلى الذات ، ملحوظة آلة لا استقلالا بل فانية في الذات كما تقدم توضيحه في بيان معنى كون الاسم عين المسمّى بوجه وغيره بوجه آخر ، فراجعه وتدبّر تعرف إن شاء الله تعالى . والحاصل أنّ قصر النظر على الذات إنما هو المقصود الأقصى ، والبغية القصوى للأولياء العارفين ، كيف لا وهم علموا بتصريح الآيات والأحاديث بأن الذات المقدسة هي منبع كلّ جمال وجلال ، فعشقوها بشراشر وجودهم ، فقصروا النظر إليها حيث علموا أنّه ليس في الوجود إلا ذاته المقدسة ، وأفعاله الحاكية عن الصفات الذاتية ، والمنتزعة منها مفاهيم الصفات والأسماء كما لا يخفى ؟ ولعمري إنّ هذا هو المطلوب في كلّ عبادة لله تعالى ، وهذا هو المراد من الإخلاص في العبادة وأنّ المعبود الحقيقي هو الذات البحت تعالى وتقدس . فجميع عناوين العبادات من الحالات والاتصاف بالعبودية ، وما يحققها من الصفات وكيفياتها وأنحائها كلَّها لا يراد منها إلا بما هي مرآة للحقّ ، بحيث ينظر إليها آلة لا استقلالا ، وبحيث يكون المعبود هو الذات فقط كما لا يخفى . ولا بدّ هنا من توضيح أمور : أوّلا : أنّه ربما يتوهّم أنّ من قصر نظره في الذات الإلهية بالنحو المذكور ، فلا محالة لازمه أن لا يبالي بالمعاصي حتّى الكبائر منها ، فإنّه وإن كانت المعصية سببا لدخول النار إلا أنه لما كانت النار التي هي مظهر قهره تعالى قد خلقت بداعي الرحمة بالبيان المتقدم ، فلا يلزم أن يكترث أحد في ترك المعصية ، بل لا يلزم النهي عنها منه تعالى ، مع أنّ هذا مناف بظواهر الشرع من النهي عنها والوعيد بالنار ، مضافا إلى أنّ سيرة الأنبياء والأئمة عليهم السّلام والعلماء والمؤمنين على خلاف ذلك ، وأنهم يبالغون في التحذير من المعاصي والكفر والفسق ، كما لا يخفى على من له أدنى علم بالشرع . ولعله من هذه الجهة أنّ بعض المتصوّفة ( عليهم لعائن الله ) ذهبوا إلى الإباحة ،