الرحمة الذاتية على ما تقدّم بيانه . ولعلَّه إليه يشير ما قيل : < شعر > وإن فتن العشّاق بعض محاسن لديك فكلّ منك موضع فتنتي < / شعر > أي أنّ أوقع الزاهدين والعابدين في الفتنة منك ، بلحاظ اسم الجلال والجمال ، بعض المحاسن ولذا عبدوك إما خوفا من نارك أو طمعا في جنّتك . وقل من عبدك لذاتك ، إلا أنّي أي العارف بذاتك المقدسة المنزّهة عن كلّ نقص ، أفتتن بذاتك ولذا أفتتن بكلّ صفاتك بدون فرق بين الجلاليّ أو الجمالي ، لأنّ قلبي مفتتن أي محبّ ومبتلى بعشق ذاتك المقدسة ، سواء عاملته بالقهر أو بالرحمة وما لهما من الآثار من العذاب أو الجنّة . وبعبارة أخرى : إنّ قلوبهم افتتنت بمحبّة الذات ، وإنّ لأرواحهم هياما بالنسبة إلى ذاته المقدسة بحيث لا التفات لهم بالنسبة إلى مظاهره تعالى ، وإلى ظهوره تعالى في صفة القهر أو في صفة الرحمة ، فالعشق الذاتي لهم لذاته تعالى إذ هل أرواحهم عن التألم من العذاب أو التّنعّم من الرحمة ، لاستغراق أرواحهم في مشاهدة ذاته المقدسة بما لها من البهجة والسرور فلا التفات لهم لغيره تعالى . وبعبارة أخرى : إنّ النظرة قصرت في الذات الإلهيّة التي جميع الصفات والأسماء والأفعال فائزة منها ، صادرة عنها ، سواء كان قهرا أو لطفا وعلموا أنّ كلّ ما يفعله المحبوب محبوب مطلقا . لا يقال لازم ما ذكر إمكان الوصول إلى الذات المقدسة والمعرفة بكنهها ، إذ مع قطع النظر عن الصفات الجمالية والجلالية لا يبقى إلا الذات المقدسة ، وحينئذ قصر النظر إليها هو المعرفة بكنهها بدون وساطة الصفات والأسماء . مع أنه قد سبق وتحقق في محله امتناعه ، لأنا نقول المراد من الاقتصار على الذات هو عدم التوجه إلى الصفات وآثارها ، وهذا لا ينافي كون التوجه إلى الذات لا يكون إلا بواسطة الصفات والأسماء كما صرحت به الأحاديث .