هذا كلَّه بحسب ما تقتضيه الأسماء الجماليّة والجلاليّة ، إلا أنّ الذي يسهّل الخطب هو أنه تعالى مختار في فعله ، فله أن يخلَّد عبده في النار ، لوجود مقتضاه وهو كفره وعصيانه ، وله أن يوصله إلى لقائه ويعفو عنه ، لوجود مقتضاه ، وهو الرحمة الواسعة الذاتية ، وهو تعالى مختار في فعله إن شاء خلَّده في العذاب ، لوجود سببه ، وإن شاء عفا عنه ، لوجود سببه ، إلا أن يرجح العفو ، لسبق رحمته الذاتية ، ولا يقتضي هذا إلزاما له تعالى على العفو . ولعمري إنّ آيات الخلود لا تدل على لزوم الخلود ، بل تدل على إمكانه ووجود مقتضاه ، وهو لا ينافي غلبة الرحمة وصفة الجمال عليه ، وله تعالى الاختيار فيما يفعله . ولعله إليه يشير ما في الدعاء : " إلهي إن عذّبتني فمولى له القدرة عليه " وقوله عليه السّلام : " إلهي إن عذّبتني فمن ذا الذّي يعترض عليك في عبدك " . إذن فإمكان الخلود لا ينفيه شيء ، لوجود مقتضاه إلا إنّا ندّعي وجود سبب العفو ، وإمكان غلبة الرحمة الواسعة عليه مع أنه تعالى مختار في فعله . فظهر أنّا لا ننكر الخلود ولا ننكر إمكان شمول الرحمة الواسعة الذاتيّة لأهل الخلود ، وأنه تعالى له أن يعفو عنهم ، بل هذا أرجح إلى صفاته الجمالية السابقة على الصفات الجلالية وله تعالى الاختيار . إذا علمت هذا فاعلم أنّ من العارفين من عرف الله تعالى في أسمائه الجلاليّة والجماليّة ، فما عرف الذات إلا بما كشف له منها في الصفات من الجمال والجلال . فلا محالة هذا العبد لا يعبده إلا بما غلب على قلبه من تلك الأسماء والصفات ، فهذا العبد مفتون بحبّه تعالى حسب ظهور ذاته تعالى في تلك الأسماء الجلالية والجمالية . ومنهم من يحبّون الذات من حيث هي هي مع قطع النظر عن مظاهرها الجمالية والجلالية ، فيحبونّه ويحبون ذاته مطلقا سواء كان ظهوره لهم في الصفات الجمالية أو الجلالية ، أي سواء تعامل معهم باللَّطف أو القهر ، وبالرحمة أو بالعذاب ، لما علموا من أنّ الذات منزّه عن كلّ عيب ونقص ، وإن قهره كلطفه يكون بداعي