يظلمون 16 : 118 [1] بل اقتضت الذّات ، الصفة الجلاليّة من القهر والعذاب بداعي تنزّه ذاته ، والرحمة التي كتبها نفسه بأن يقهر على عبده العاصي ويعذّبه ، ليصل إلى تلك الرحمة المقتضية لذلك ، وإنّما اقتضت الذات المقدسة ، الصفة الجلاليّة لما علم الحقّ تعالى أنّ العبد بسوء اختياره يلوّث نفسه بصفات الكفر والفسوق والعصيان . وهذه الأمور قد أوجبت حجابا لحقيقة العبد التي هي على فطرة التوحيد ، فصار بعيدا عن لقائه ورحمته الخاصّة ، فلا محالة اقتضت الحكمة والرحمة الذاتية ذلك القهر والعذاب ، ليطهّر حقيقته من هذا الحجاب ، والتلوّث بالنجاسات الروحيّة ، فيصل إلى اللقاء . فإن قلت : فهذا يقتضي عدم الخلود وهو مخالف لصريح الآيات . قلت : أوّلا أنّه تعالى قد علَّق الخلوق على دوام السماوات والأرض ، ومع ذلك استثناه بمشيته حيث قال تعالى : خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربّك 11 : 107 [2] فالتأمل في الآية يعطي كون الخلود في ظرف دوام السماوات والأرض ، وأنّه معلَّق على المشيّة لا مطلقا ، وثانيا أنّ الخلود في النار وما يقتضيه من الكفر والفسوق والعصيان محكوم تحت تلك الرحمة الذاتيّة . فلتلك الرحمة سبقة على القهر والغضب والعذاب والخلود كما في الحديث القدسي : " وسبقت رحمتي غضبي " فلا بدّ من تحقق السبقة يوما مّا ، ولو بعد حين . وهذا مما لا يمكن المصير إلى خلافه بحيث يقال بفعليّة صفة القهر والعذاب دائما ، ضرورة أنّ منشأهما هو عصيان العبد وكفره وهذا محدود موقّت ، والمحدود الموقت لا بدّ له من الانتهاء ، لعدم كونه ثابتا ثبوتا ذاتيا ، لعدم ثبوت منشأه وعدم دوامه ، وهو العبد وعصيانه ، وهذا بخلاف الرحمة الذاتيّة التي كتبها الحقّ على نفسه ، فإنّها ذاتية ثابتة غير زائلة .