فنقول : قد يقال : إنّ المستفاد من قوله تعالى : ذو الجلال والإكرام 55 : 27 أنّ لذاته المقدسة أسماء الجلال والجمال . وبعبارة أخرى : إنّ له تعالى صفة الرحمة واللطف ، ومقتضاهما الجنّة والنعيم الأبدي ودرجاتهما ، وصفة القهر والغضب ونحوهما ، ومقتضاهما الجحيم والعذاب ودركاتهما . فالذات المقدّسة من حيث هي في غيب الغيوب وفي نفسها ، التي لا رسم لها ولا اسم منزّه عن كلّ عيب ونقص ، لها ظهور بأسمائه الجلاليّة والجماليّة . وحيث إنّ ذاته المقدسة مبرّأة من كلّ عيب ونقص ، فلا محالة ما اقتضته الذات من صفات الجمال والجلال أيضا منزّه عن كلّ عيب ونقص ، ولا محالة ما يتراءى من صفات الجلال من القهر والغضب والعذاب ، وما اقتضتها هذه الصفات يكون منزّها عن كلّ عيب ، فلا محالة يكون بداعي الرحمة واقعا ، وإن كانت صورتها بصورة العذاب . ولعلّ إلى هذه الدقيقة من الرحمة الكائنة عند كلّ عذاب قال تعالى في الحديث القدسيّ المعروف : " هذا إلى الجنّة ولا أبالي ، وهذا إلى النار ولا أبالي " فقوله تعالى : هذا إلى النار ولا أبالي مع أنه تعالى منزّه عن كلّ نقص وعيب ، وأنه ضمّن نفسه التجاوز والعفو كما في الدعاء ، وأنّه كتب على نفسه الرحمة كما في الآية الشريفة ، لا يستقيم إلا إذا كان تحت كلّ عذاب رحمة فبلحاظ تلك الرحمة الخفيّة قال تعالى : لا أبالي ، وهذا أحد معاني قولهم في حقّه تعالى : < شعر > وكم لله من لطف خفيّ يدقّ خفاه عن فهم زكي < / شعر > إذن فثبوت الصفات الجلالية له تعالى بما له من اقتضاء العذاب والقهر ، لا يثبت أنّ ذاته المقدسة اقتضت العذاب والقهر لبعض عبيده بلا جهة بنحو الظلم ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، كيف وقد قال تعالى : وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم