في الأحاديث من نحو قوله عليه السّلام : " وقوم يعبدونه حبّا له أو شكرا له " وفي بعضها : " فتلك عبادة الأحرار " وسيأتي في الشرح أحاديثه ، فهؤلاء لا يعبدونه لدخول الجنّة أو للخلاص من النار ، كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام ومولى الكونين : " ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنّتك ، بل وجدتك أهّلا للعبادة فعبدتك " . فهؤلاء هم الموحّدون الفانون عن أنفسهم ، يعبدونه من حيث إنّ ذاته المقدسة أهل لذلك ، لا من حيث إنّه تعالى رحيم أو منعم أو منتقم . فإنّ عبد المنعم لا يكون عبد المنتقم حالا ، وعبد الرحيم لا يكون عبد القهّار حالا ، وإن اعتقد أنّه لا بدّ من أن يعبد من حيث جميع الأسماء علما بحسب الاقتضاءات الأسمائيّة لعبادته تعالى ، إلا أنّه حيث قد غلب على قلبه بعض الأسماء ومقتضاها فلا محالة يعبده لتلك الجهة فقط ، فلا محالة يعبده إمّا للخوف من النار أو طمعا في الجنّة كما صرح به في الأخبار . وهذان الحالان يجمعان مظاهر الجمال والجلال بحسب الأسماء الثابتة لهما ، كما يخفى ، فكلّ على حسب حاله . فهذا الإنسان الذي يعبد ربّه من هذه الحيثيّات لا مطلقا فهو عبد حظَّه وأسير نفسه ، فلا يكون عبدا لله مجردا عمّا سواه ، وسيأتي في الشرح توضيح لعبادة هؤلاء ، فإن عبادتهم ليست كعبادة الأحرار ، بل لا تخلو من حبّ النفس وإسارة النفس . فهو تعالى وإن قبل عبادتهم هكذا وأثابهم عليها ، ونجاهم من النار ، وأعطاهم الجنّة بفضله وكرمه ، إلا أنّه ليست هذه العبادة كعبادة الأحرار ، كما لا يخفى فإن عبادتهم خالصة له تعالى ، ولذلك أضافهم الحقّ تعالى إلى نفسه في قوله : إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان 17 : 65 [1] . واعلم أنّ هنا سرّا غامضا ودقيقة خفيّة ، قلّ من كشفت له حقيقة الأمر بنحو أصاب الواقع ولا بأس بالإشارة إليه .