ولعلَّه إليه يشير قوله تعالى : وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه 17 : 23 [1] فإن التعبير بالقضاء الإلهيّ آكد من الأمر المولوي به ، فإنه يستفاد منه الأمر المولوي والظاهري بالنسبة إلى المحجوبين ، كما في قوله تعالى : . . إنّي أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين 39 : 11 [2] وأمثاله من الآيات ، والأمر التكويني ، أي أنّ الأمر في الواقع هو هكذا ، أي كلّ يعبدونه تعالى لا محالة ، ضرورة أنّ عبوديّة الموجودات له تعالى ، وأنّها قائمة به ومنه وله وإليه ، إنما هي أمر تكوينيّ لا تشريعي فقط فالتشريع إنّما هو للوصول والوقوف على هذه الحقيقة تكوينا . وبعبارة أخرى : إنّا أمرنا بالتوحيد وبعبادته تعالى مخلصين له الدين مع ما للعبادة من الشرائط في الأجزاء والقبول ، لكي نصل إلى هذه الحقيقة الثابتة في نفس الأمر ، ضرورة أنّ من وصل إلى المقامات الثلاثة للتوحيد : الذاتي والصفاتي والأفعالي ، ليس معناه أنه يحقق بعبادته ما لم يكن منها ، بل بها يصل إلى هذه الأمور من التوحيدات الثابتة والكائنة في نفس الأمر ، فبلحاظ الواقع يصدق أنّه تعالى قضى أن لا تعبدوا إلا إيّاه بالقضاء التكويني ، وبلحاظ الظاهر لمن لم يشاهد هذه الأمور بواقعها أمر بالعبادة عن إخلاص بقوله : إنّي أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين 39 : 11 فتأمل تعرف إن شاء الله ، ثمّ خذه وأغتنم . وبما ذكر ينحلّ ما وقع النزاع بين العلماء حيث اعترضوا على من قال بالقضاء التكويني في الآية المباركة من العرفاء ، فإنّه يحمل القضاء التكويني على واقعه ، ويشاهده من وصل إلى مقام الفناء ، وهذا لا ينافي الأمر بالعبادة تشريعا ظاهرا بالنسبة إلى المحجوبين كما لا يخفى . والله العالم بالأمور . واعلم أنّ الناس يعبدون الله على وجوه : فمنهم من يعبده تعالى من حيث ألوهيّته وذاته المستحقّة للعبادة ، كما صرّح به