القيود هي الحجاب وهي مداخل الشيطان ، إذ الشيطان ما هو مانع عن الحقّ مهما كان ، فلا محالة يبالغون في رفع القيود بصرف التوجّه إليه ، والإعراض عنها بالتوجه الصرف إلى الحق المطلق . ولا ريب أنّ القيود هي المحقّقة لعناوين الدنيا وزينتها ، وموجبة لتشكيل دار الغرور وزينتها التي هي أمور وهميّة ، لا حقيقة لها بحسب ماهيّاتها ، فإنّها كما عرفت إنّما انتزعت من القيود التي ترجع إلى الأعدام . وكيف كان فالعارف حيث إنّه عرف مداخل الشيطان ، وأعرض عنها وعن الدنيا وزخارفها ، فلا محالة يكون العارف واقفا مع الأمر الإلهيّ لا يتعدّى عنه يحلّ معه حيثما حلّ ، ولا نظر له إلى غيره ، وهو الموحد الذي لا يرى لغيره تعالى وجودا في ظرف إسقاطه الإضافات والقيود الوهميّة ، فيرى الكلّ مجالي جماله وجلاله ، فلا محالة تكون عباداته وحركاته وسكناته كلَّها با لله ومن الله وإلى الله ولله ، فإنّ من أعرض بذاته عن غيره تعالى فلا محالة يرى الأشياء ومنها نفسه قائمة با لله تعالى كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام في وصيّته : " إنما نحن به وله " وفي دعاء الجوشن : " يا من كلّ شيء موجود به " وقال تعالى في الحديث القدسيّ : " وكيف يخفى عليّ شيء أنا مبتدئه " وقال تعالى : إنّا لله وإنّا إليه راجعون 2 : 156 . فهذه الأحاديث والأدعية والآيات وما شابهها وهي كثيرة جدّا تعطي المتأمّل فيها أنّ الموجودات خصوصا النفوس الإنسانيّة ، التي هي مظاهره تعالى كلّ بحسبه ، كلَّها إنّما هي به ومنه وإليه وله تبارك وتعالى وتقدّس ، إلا أنّ هذه الحقيقة لا تكاد تظهر لأحد إلا إذا اتّصف بالفناء المذكور آنفا ، بما له من المعنى المتقدم . وهذا الأمر أي الوصول أي الفناء المذكور الموجب لرؤية الحقّ وأنّ الموجودات كلَّها قائمة به ومنه وله وإليه ، هو المطلوب له تعالى من كلّ أحد .