وإلى كمال هذه العبودية ، وسعة قابليّتها لتجلَّيات أنوار الإلهيّة يشير الحديث القدسي : " لا تسعني أرضي ولا سمائي ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن التقيّ النّقي " . ولا يخفى أنّ سبب هذه الوسعة لقلب العبد ، والانشراح لصدره ، إنّما هو ترك الالتفات إلى غير الله ، والإقبال بالكلَّية إليه تعالى ، والتحقيق بالعبودية الصرفة ، والاستهلاك بنار العشق والمحبّة ، ولهذه الدقيقة ذكر في الحديث الإلهي بهذا العنوان ، أي عنوان - العبد المؤمن التقيّ النّقي - دون الرسالة وغيرها من الألقاب . ولنعم ما قيل : < شعر > دو عالم را بيكبار از دل تنگ برون كرديم تا جاى تو باشد < / شعر > توضيح : ولمّا علمت معنى الوصول والتقرّب إلى الحقّ ، فالالتحاق به تعالى على هذا الوجه من صيرورة العبد لصفاء ذاته ، وتصفية وجهه مرآة لمعرفة الحقّ وأسمائه وصفاته ، ومظهرا لأنواره وآثاره ، علمت أنّ هذا ليس بامتزاج العبد مع الحقّ ولا اتّصال ولا حلول ولا اتحاد ، تعالى عمّا يقول الملحدون علَّوا كبيرا ، بل هو توجّه استغراقي وعلاقة اضمحلاليّة كما قال تعالى في حديث المعراج : " لأستغرقنّ عقله بمعرفتي " أي حقيقته . وكيف كان فهو عبوديّة تامّة يحكم عليها شعاع طامس قيّومي ، يمحو عنها الالتفات إلى غير الحقّ أيّ غير كان ، وإن كان هوية العارف أي عرفانه ، من حيث هو عرفانه ، ضرورة أنّ التوجه إلى العرفان من الفاني شرك خفيّ وقول بالثاني ، والتوحيد ينافيه . توضيح آخر : لا يخفى أنّ عند أهل التحقيق إنّما يكون عباد الله الذين ليس للشيطان عليهم سلطان ، هم العارفون الذين يعرفون مداخل الشيطان من أنحاء التقييدات ، ضرورة أنّ الحقّ بجماله المطلق إنّما هو محتجب بالقيود الإمكانيّة المحدّدة للموجودات الموجبة لاحتجاب الحقّ المطلق بها ، فالعارف الحقيقي هو العارف بأن