لا يتحقق إلا بفناء النفس ، أي الرجوع إلى الإمكان والفقر ، بحيث يشاهد فقره الذاتي ، وأنّه عدم محض ، وأنّ ما به وجوده هو تجلَّيات الربّ ومظاهره الموجودة بإشراقه تعالى ، وإنّ معيّة الحقّ معها معيّة قيّوميّة . وهذا الفناء محقّق لحقيقة العبودية ، واتّصاف العبد بأنّه عبد حقيقة . فقوله تعالى : واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين 15 : 99 أمر بتحصيل حقيقة العبودية التي تتحقق بها العبادة الحقيقة ، والله العالم . ومعلوم أنّه لا تكون إلا بالفناء المذكور ، والفناء المذكور وحقيقة العبودية يأتي باليقين ، أي يتبيّن أنّه الحقّ وأنّ ما دونه هو الباطل والسراب ، يحسبه الظمآن ماء أي موجودا سرابيّا خياليّا . وإلى شرافة مقام العبودية وأنه لا شرافة فوقها مدح الله نبيّه بقوله : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا . . . 17 : 1 [1] . وقال عيسى عليه السّلام في أول نطقه : إنّي عبد الله 19 : 30 [2] . وقال سيد الأولياء أمير المؤمنين عليه السّلام : " كفى لي فخرا أن أكون لك عبدا ، وكفى لي شرفا أن تكون لي ربّا ، اللَّهم إنّي وجدتك إلها كما أردت فاجعلني عبدا كما أردت " ولذا اشتهر أنّ العبودية أشرف من الرسالة ، لأنّ بالعبوديّة ينصرف من الخلق إلى الحقّ ، وبالرسالة ينصرف من الحقّ إلى الخلق ، ولهذا نال شرف التقدم في قول الموحّد في التشهّد : " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله " وقال تعالى إشارة إلى تعظيم العبوديّة : لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقرّبون 4 : 172 [3] وهم الذين حصل لهم الفناء في الحقّ والهيمان به .
[1] ففي شرح دعاء الجوشن للمحقق السبزواري : وفي ليلة المعراج لما قيل له صلَّى الله عليه وآله : سل ما تبتغيه من السعادات . قال صلَّى الله عليه وآله أضفني إليك بالعبودية يا رب ، فنزل : سبحان الذي . . . 17 : 1 . سورة الإسراء الآية 1 . . [2] مريم : 30 . . [3] النساء : 172 . .