بحت ، وكذلك الإنسان إن كان قلبه مجلوا عن كلّ رين وطبع وكدورة ، فلا محالة يقبل صور أسماء الجمال والجلال ، وهذا هو الإنسان الفاني عمّا سواه ، وهذا بخلاف غيره أي غير الكامل وغير الفاني المضمحلّ في نور الأنوار ، فإنّه حينئذ لا يخلو عن ملاحظة ذاته ، وفعليّة صفاته الكماليّة الحاجبة إياه عن محاذاة وجهه شطر كعبة المقصود ، والانخراط بالكلَّية في سلك عبوديّة الملك المعبود ، فهذا محجوب عن انتقاش أنوار أسمائه الجماليّة والجلاليّة فيه . فالوصول إلى التوحيد الحقيقي بما له من الشؤون إنّما هو بهذا الفناء والطهارة القلبية ولذا نرى أنّ ديدن أهل الله تعالى هو الاهتمام بالسلوك الموجب لهذا الفناء ، ومرجع هذا الفناء إلى إثبات نسبة الإمكان ، الذي هو قصارى مجهود العابدين ، ونهاية مطامح أنظار العارفين ، أي أنّ همّهم الوصول إلى أنّ حقيقتهم ليست إلا الإمكان المحض ، الذي بذاته لا يقتضي إلا الفقر ، الذي هو عدم محض ، وتحويل الوجود بما له من الآثار إلى صاحبه وهو الحقّ المطلق جلّ وعلا . وإلى هذا الفناء والحثّ عليه يشير قوله تعالى : . . وكن من الساجدين . واعبد ربّك حتى يأتيك اليقين 15 : 98 - 99 [1] . توضيحه : أنّ الأمر بالسجود هو الأمر بالفناء ، فإنّ حقيقة السجود الذي هو غاية الخضوع والخشوع ظاهرا بوضع عتائق الوجوه على التراب ، وباطنا هو فراغ القلب من الفانيات . وإليه يشير ما في غرر الحكم للآمدي رحمه الله عن أمير المؤمنين عليه السّلام : " السجود الجسماني هو وضع عتائق الوجوه على التراب ، واستقبال الأرض بالراحتين والركبتين وأطراف القدمين ، مع خشوع القلب وإخلاص النيّة . والسجود النفساني فراغ القلب من الفانيات ، والإقبال بكنه الهمّة على الباقيات ، وخلع الكبر والحمية ، وقطع العلائق الدنيويّة والتحلَّي بالخلائق النبوية " . وهذا