المعنوية المشار إليها سابقا ، التي سمّاها بعضهم التوحيد ، وبعضهم بالقيامة الوسطى ، وربّما عبّروا عنها بزوال التعيّنات الخلقيّة ، وفناء وجه العبودية في وجه الربوبيّة ، كانعدام تعيّن القطرة عند الوصول إلى البحر ، وذوبان الجمد بطلوع الشمس ، فيزول عنه التعيّن الأسمائي ، ليرجع إلى الوجود المطلق بارتفاع وجوده المقيّد . وقيل هذا التوحيد عبارة عن ستر وجه العبوديّة بوجه الربوبيّة ، واختفاء كوكب ذاته عند وجود شمس العظمة والكبرياء ، ويكون الربّ ظاهرا والعبد مخفيّا قال الشاعر : < شعر > حين تغيّبت بدا حين بدا غيّبني < / شعر > وكيف كان فهذا الاختفاء إنما هو في مقابلة اختفاء الحقّ بالعبد عند إظهاره إيّاه ، أي إظهار الحقّ العبد فيظهر العبد ويختفي الرب ، ويليه في الرتبة دونها أنّه قد يكون تبديل الصفات البشريّة بالصفات الإلهيّة دون الذات ، فكلَّما ارتفعت صفة من صفاتها ، قامت صفة إلهيّة مقامها فيكون الحقّ سمعه وبصره ، كما نطق به الحديث المشهور ، ويتصرّف في الوجود بما أراد الله عند سيره عن الحقّ إلى الخلق ، وسعته للجانبين ، كما للكمّل والأفراد الَّذين قامت قيامتهم وهم في جلابيب أبدانهم قد نضّوها [1] وانسلخت نفوسهم الإنسيّة عنها كلّ يوم انسلاخ الحيّة الوحشيّة عن جلدها في كلّ سنة ، ولعلَّه إلى هذا الانسلاخ يشير ما روي على ما قيل : عن النبيّ صلَّى الله عليه وآله : " من أراد أن ينظر إلى ميّت يمشي فلينظر إلي " وفي حديث : " فلينظر إلى علي بن أبي طالب " . ونقل أنّ السابقين الأوّلين من الحكماء الإلهيّين كانوا أصحاب إنسلاخ البدن ، وكانت هذه الصفة ديدنا وعادة وضعة معتادة لهم ، وسنّة شايعة فيهم ، وكانوا لا يعدون أحدا من الحكماء ، ما لم يطَّلع على الجهة المقدّسة أي تلك الأنوار القاهرة والأضواء القيّوميّة ، ولا من المتألَّهين ما لم يحصل له ملكة خلع البدن حتّى يصير
[1] نضّ ماله : صار عينا بعد أن كان متاعا ، الشيء : أظهره . .