الثاني : استخدام القوى فيما خلقت لأجله ، وإعمالها في الأمور المناسبة للأمر القدسي ، لينجذب معها بالتعويد من جناب الغرور إلى جناب الحقّ تعالى ، ويحتاج ذلك إلى العبادة المشفوعة بالنية الخالصة لا لرغبة أو رهبة ، بل تشرّفا بالانتساب إليه تعالى بالعبودية ، ثم يحتاج إلى المواعظ وخطابات المتألَّهين بعبارات بليغة ، فإنّها أعظم نفعا في الترغيب والترهيب من كثير من الرهبانيّات ، لأنّها تحرّك النفس تحريكا لطيفا خصوصا إذا كانت مع الألحان المستخدمة لقوى النفس في أمره تعالى [1] . الثالث : تلطيف حقيقته المعبّر عنها تارة بالروح ، وأخرى بالقلب ، وثالثة بالعقل ويجمعها أنّها هي الجوهرة اللطيفة الملكوتيّة ، فلا بدّ من تلطيفها بقبول تجلَّيات الحقّ ، لتصير النفس مرآة مجلَّوة يحاذي بها شطر الحقّ ، ويعين عليه الفكر اللطيف والعشق العفيف [2] ثمّ يحاسب نفسه دائما في أفعاله وأقواله ، ويجعل النفس منهما في كلّ ما يأمر به الشرع والعقل والاستبصار الإلهي ، فإنه وإن أمرها بالعبادة إلا أنه لا بدّ من تقييدها بالمحاسبة بنحو ما ذكر ، لتكون عبادته مشتملة على المعنويات والحقائق الإلهيّة الباطنيّة . كلّ ذلك لأن النفس مجبولة على محبّة شهواتها ولذّاتها ، فلا ينبغي أن يؤمن من مداخلها فإنّها من المظاهر الشيطانية ، فلا بدّ من ملاحظتها دائما بتلك المحاسبة . ثمّ إنّ السالك إذا خلص من النفس وصفا وقته ، وطاب عيشه بالالتذاذ بما يجده في طريق المحبوب يتنوّر باطنه ، فتظهر له لوامع الغيب ، وينفتح له باب الملكوت ،
[1] اعلم أنّ المواعظ إذا تحقّقت في ضمن ألحان حسنة ، فلا محالة لكونها مجرّدة تؤثر في النفس المجردة لتحقق المناسبة ، فحينئذ يستخدم قوى النفس فيما يتعلق به تعالى لا فيما تشتهيه النفس ، لأنها حينئذ تنبهت بالرجوع إلى بارئها بواسطة هذا اللحن الحسن ، فتدبر . . [2] العشق من حيث هو هو حسن فإن تعلَّق به تعالى وبشئونه تعالى كان حسنا عفيفا وإلَّا فإن تعلَّق بما دونه ، فإن كان مباحا فهو مباح كالجنّة والأمور المحلَّلة وإلَّا فهو مذموم بل محرّم ، كما لا يخفى وسيأتي في الشرح بيانه . .