والحاصل أنّ العلماء ينبّهون الأشخاص والإنسانية من سنة الغفلة ونوم الجهالة ، ويذكَّرونهم الحقّ ووحدته وأحوال مبدئهم ومعادهم ، وحقيقة جميع ما جاء به الرسل من الأحكام الشرعية وغيرها ، لتتنوّر بواطنهم بنور الإيمان أولا ، ثمّ بأنوار المأمورات الشرعية من العبادات ، إذ كلّ منهم يتخلق منهما خلقا ، وترتفع بهما الحجب الظلمانيّة والغواشي النفسانية المعبّر عنها بالذنوب والسيّئات ، فإذا تيقّظ من سنة الغفلة ، وتنبّه على أنّ ما وراء هذه اللذات البهيميّة لذّات آخر ، وفوق هذه المراتب مراتب آخر كماليّة ، يتوب عن اشتغاله بالمنهيّات الشرعية ، وينسب إلى الله بالتوجّه إليه . فيشرع في ترك الفضول الدنياوية ، طلبا للكمالات الأخرويّة ، ويعزم عزما تامّا ويتوجه إلى السلوك إلى الله تعالى من مسكن نفسه ومقام هواه ، فيهاجر مقامها ويقع في الغربة . والمسافر لا بدّ له من رفيق يرافقه ، ودليل يدله على طريقه ، فيصاحب من له هذا التوجه والعلم بالطريق ، وهو الشيخ القائد والمرشد الهادي ، ثم ما دام لا يعتقد فيه لا ينفتح له شيء ولا ينتفع بصحبته . فوجب له أن يعتقد فيه بالخير والصلاح ، وأنّ صحبته منجية من المهالك ، وأنه عالم بالطريق الذي يسري إليه . وهذه الاعتقادات بالنسبة إليه تسمّى بالإرادة ، فإذا تحقّق السالك بالإرادة أي بهذه الاعتقادات فيكون مريدا ، فحينئذ لا بدّ له من أن يعمل بما يقوله الشيخ ليمكَّن له حصول المقصود ، حتى قيل : إنّ المريد بين يدي الشيخ ينبغي أن يكون ( كالميّت بين يدي الغسّال ) . ثمّ إنه إذا دخل في السير والطريق ، فلا بدّ له من أن يزهد عن كلّ ما يعوقه عن مقصوده من مستلذّات أمور الدنيا وأحوال معيشته فيها ، ولا بدّ له من أن يرتاض نفسه وهو يحصل من أمور ثلاثة : الأول : ترك الالتفات إلى ما دون الحقّ ويعين عليه الزهد الحقيقي ، والاتقاء عن كلّ خاطر يرد على قلبه ويجعله مائلا إلى غير الحقّ ، ويجرّه إلى اللجنة السافلة ، وكيف كان فلا بدّ له من أن يتّصف بالورع والتقوى والزهد .