الغرور 3 : 185 [1] ومدة الحياة الدنيا بالقياس إلى دوام الآخرة كلحظة ، وسعة مكانها بالقياس إلى مكان الآخرة كذرّة ، كأنّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها . 79 : 46 وفي الحديث عنه صلَّى الله عليه وآله : " ما الدنيا في الآخرة إلا مثل أحدكم غمس إصبعه في اليم فلينظر بم يرجع ، ؟ " فترك هذا القليل واجب وليس بزهد في الحقيقة وإنما وراءها عالم آخر بل عوالم أخرى ، إليها رجعي الطاهرات من النفوس وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا 17 : 21 [2] . فمن أراد أن يعرف عظمة الله وعظمة أسمائه ، التي يكون عالم الآخرة ظلالها ، وهذا العالم ظلال ظلالها ، ويجد من رحمة الله نصيبا أكثر وحظا أوفر ، فليزهد عن الآخرة وليزهد عن الزهد فيها أيضا حتى يخوض لجّة الوصول ، ويخلص عن نفسه وقلبه بالكلية ، وقيل : الزهد في الدنيا يريح النفس ، والزهد في الآخرة يريح القلب ، والإقبال بالكلية على الله يريح الروح . واعلم : أنّ العوالم والنشآت الوجودية بمنزلة طبقات بعضها محيطة ببعض ، والسالك إذا صعد من عالم ولج في عالم آخر ، وكأنّه مات من الأول وتولد في الثاني ، وعن عيسى عليه السّلام أنّه قال : " لن يلج ملكوت السماوات من لم يولد مرّتين " . ومن هنا يعلم ما قد قيل : إنّ الكوكب وهو صورة الطبع والحس التي هي أول النشآت الحيوانية ، والقمر وهو صورة النفس التي هي أول درجات الإنسان السالك ، والشمس التي هي صورة العقل وهي آخر منازل عالم الإمكان ، فهذه كلَّها إشارة إلى صور العوالم الثلاثة ، وكان السالك في أول سلوكه في واحد منها بحسب رغبة النفس وهواها ، أي كان في صورة الطبع والحسّ ، ثم مات عنه اختيارا ودخل في الثاني ، وهو صورة النفس التي هي أول درجات الإنسان ، ثم ماتت رغبته عنها ودخل في ملكوت السماوات ، التي هي صورة العقل ، وآخر منازل الإمكان ، وبعده