ليس إلا كجرعة بل قطرة من بحر لجيّ ، أو كشعاع من شمس ، وإنما أثبتنا للطالبين هذه المعاني الدقيقة ، ليبثّوا بذرها في أرض القلوب ، وإن كان فوق رتبتهم . ورجاء من الروحانيين - الذين يعرفون قدر هذه المعارف ، والذين تجرّدوا من غشاوة أقران السوء ومن آرائهم الخبيثة . ولعمري إنّ هؤلاء الروحانيين هم أهل القرابة المعنوية لأولياء الله وأولادهم الروحانيين ، فيا أهل الودّ والصفاء ، ويا أهل الروح والنقاء ، ويا طالبي الوصل واللقاء ، ويا أهل العشق والفناء ، عليكم بذوق معاني هذه الكلمات بنفوس زاكية وأذهان نقية ، وقلوب صافية وأسماع واعية ، فخير القلوب أصفاها ، وخير الأسماع أصغاها وأوعاها ، قال الله تعالى : . . لو كنّا نسمع أو نعقل ما كنّا في أصحاب السعير 67 : 10 [1] . ففي تفسير نور الثقلين عن مجمع البيان في ذيل الآية وفي الحديث عن أبي عمر ، أنّ النبي صلَّى الله عليه وآله قال : " إنّ الرجل ليكون من أهل الجهاد ، ومن أهل الصلاة والصيام ، وممن يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ، وما يجزى يوم القيامة إلا على قدر عقله " [2] ، ومثله أحاديث أخر ، ثم لا بدّ بعد تصفية القلب من الزهد في الدنيا وتركها لبنيها . واعلم : أنّ من ركن إلى الدنيا ومال إليها أحرقه الله بناره ، فصار رمادا تذروه الرياح ، وكان الله على كلّ شيء مقتدرا ، وهذه صفة أرباب الملك وأصحاب الدنيا . ومن ركن إلى العقبى ومال إليها أحرقه الله بناره ، فصار ذهبا خالصا ينتفع به ، وهذه صفة أهل الآخرة ، وأرباب الملكوت ، وأصحاب الجنّة . ومن ركن إلى الله ومال إليه أحرقه الله بنوره ، فصار جوهرا فريدا لا قيمة له ، ودرّة يتيمة لا مثل لها في الدنيا والآخرة ، وهذه صفة أهل الله وأحبائه وأوليائه .