أبصارهم فهم الآن صمّ عن استماع دعوة الأنبياء بسمع القبول ، بكم عن قول الحقّ ، والإقرار بالتوحيد والمعارف اليقينية ، عمي عن رؤية الآيات والمعجزات الباطنية فهم لا يعقلون ، ولا يعقلون أنهم صمّ بكم لا يعقلون . إذ لم يتصوروا من الصمّ إلا ما يعرض القوة السمعية الحيوانية ، ولا عن العمى إلا ما يعرض للقوة العينية الحيوانية ، ولا من العقل إلا ما للعوام من تدبير المعاش بالحيل الشيطانية النكرائية كما كانت في معاوية ( عليه الهاوية ) فمن كان هذا حاله فأنّى له الترقي إلى ما وراء عالم الملك والمحسوسات ؟ بل لا يكاد يعلم إلا الظاهر ، قال تعالى : يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون 30 : 7 [1] . أقسام العلماء : ثم إنّه يعجبني أن أذكر ما ذكره الشيخ الفاضل الفقيه زين المجتهدين رحمه الله في كتاب منية المريد ناقلا عن بعض المحققين ، قال : العلماء ثلاثة عالم با لله غير عالم بأمر الله ، فهو عبد استولت المعرفة الإلهية على قلبه ، فصار مستغرقا لمشاهدة نور الجلال والكبرياء ، فلا يتفرغ لتعلم علم الأحكام إلا ما لا بدّ منه ، وعالم بأمر الله غير عالم با لله ، وهو الذي يعرف الحلال والحرام ودقائق الأحكام ، لكنه لا يعرف أسرار جلال الله ، وعالم با لله وبأمر الله فهو جالس على حدّ المشترك بين عالم المعقولات وعالم المحسوسات . فهو تارة مع الله بالحبّ له ، وتارة مع الخلق بالشفقة والرحمة ، فإذا رجع من ربّه إلى الخلق صار معهم كواحد منهم ، كأنه لا يعرف الله ، وإذا خلا بربه مشتغلا بذكره وخدمته ، فكأنه لا يعرف الخلق ، فهذا سبيل المرسلين والصديقين وهو المراد بقوله عليه السّلام : " سائل العلماء وخالط الحكماء وجالس الكبراء " . والمراد بقوله : سائل العلماء ، العلماء بأمر الله غير العالمين با لله فأمر بمسائلتهم