رسول الله صلَّى الله عليه وآله خواص أمته وأوليائها وحكمائها بأنهم محدثون مكلَّمون كما ستأتي أحاديثه في الشرح . وليس المراد من هذا التكلم والتحدث هو ما يكون بالحديث الظاهري والكلام الحسّي ، الذي آلته جرم أحمر لحمي مركب من الأخلاط فإنه من الدنيا ، ولا يكون شيء من الدنيا ممدوحا ولا محبوبا إلا بقدر ما يعبّر به ويجعل الزاد للآخرة فإنها طريق الآخرة ، كما ورد : " الدنيا دنياءان ، دنيا ملعونة ودنيا بلاغ " فالممدوح منها هو البلاغ ، وأما غيرها فهي وما فيها مبغوضة ممقوتة ملعونة عند الله وعند أوليائه كما روي عنه صلَّى الله عليه وآله : " الدنيا ملعونة وملعون ما فيها " ، وقوله صلَّى الله عليه وآله : " حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة " ، فهي مبغوضة عند من يريد الكمال والمعارف الحقّة الإلهية . ففي السفينة ، عن الكافي : سئل علي بن الحسين عليه السّلام : " أيّ الأعمال أفضل عند الله ؟ قال : ما من عمل بعد معرفة الله ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا . " وإنما المراد من المكالمة في قوله تعالى : لا يكلَّمهم الله 3 : 77 وفي قوله صلَّى الله عليه وآله : " إنهم محدّثون مكلَّمون " المكالمة الحقيقية بين الله وبين خواصّ عباده ، وهي الإفاضات العلمية المتواردة من الحقّ في المقاصد الربوبية ، عقيب التأمّلات القدسية الاستعدادية من العبد في المطالب الحكمية الإيمانية بتوسط بعض ملائكة الله العقلية ، إما صريحا مشاهدا في عالم المشاهدة البصرية والسمعية كما للأنبياء ، أولا ، كما لغيرهم ، هذا للخواص . وأمّا المحجوبون بأقسامهم فإنهم لما تعلقت أرواحهم بالأجساد ، وتكدّرت لكدورات الحواس والقوى النفسانية ، وأظلمت بظلمات الصفات الحيوانية ، وران على قلوبهم ما كانوا يكسبون من التمتعات البهيميّة والحركات السبعية ، والأخلاق الشيطانية واللذات الجسمانية ، فأوجبت هذه أن تعمى قلوبهم التي في الصدور ، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور فأصمّهم الله وأعمى