إلى ردائة حالهم يشير قوله تعالى : وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءَنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون 5 : 104 [1] فما أسخف عقلهم حيث تركوا ذكر الله ومعارف الحقائق خوفا من اتّضاع قدرهم عند الجهلة السفلة فرجّح عندهم ارتفاع الشأن عند الناقصين من العباد على علوّ المنزلة عند الله ومجاورة الملائكة المقربين . فتبّا لجاههم الحقير وسحقا لحظَّهم اليسير أما تلوا قوله تعالى : . . وإن كلّ ذلك لمّا متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربّك للمتقين . ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين . وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون 43 : 35 - 37 [2] . والحاصل : أنّ هؤلاء لا يزالون يتبعون ظواهر الألفاظ ، ولا يرون بواطن المعاني والحقائق ولم يعلموا بعد - مع أنهم سمعوا مرارا - أن امتياز الإنسان عن سائر الحيوانات باستنباط الحقائق والمعارف ، لا بتتبع الألفاظ وتصحيح العبارات ، من غير انتقال عن مضيق المحسوسات ومحبس الحيوانات واصطبل الدواب إلى فسحة الأنوار الإلهية ، وعالم المعارف العقلية الإلهاميّة ومستوكر الطيور السماوية . فهم واقعون أبدا في عالم الألفاظ والصور ، ولن يقصدوا إلى معرفة النفس وما فوقها ، ولا إلى إصلاح القلب الذي هو محلّ النطق الباطني ، الذي يخصّ به الإنسان من بين سائر الحيوانات ، وهو منبع المكاشفات والمكالمات مع الحقّ كما تقدم عن أمير المؤمنين عليه السّلام من قوله : " وكلَّمهم في ذات عقولهم " [3] هذا وقد ذمّ الله تعالى الناقصين الذين ليس لهم درجة المكالمة الباطنية مع الحقّ ، لكونهم في مرتبة الحيوان الأعجمي بقوله : ولا يكلَّمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيمة 3 : 77 [4] . ومدح