كما أخبر عنهم وعن حالهم قوله تعالى : ألم تر إلى الَّذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثمّ يتولَّى فريق منهم وهم معرضون 3 : 23 [1] استنكف عن النصيحة ومنعته الأنفة وأخذته العزة التي زعمها ثابتة لنفسه ، لأجل كونه مغرورا با لله تعالى معتقدا أنّه من العلماء ، وأنّه اللائق بالاقتداء ، والحرّي بأن ينصب في مقام النصح والإرشاد لغيره ، لا أنّ غيره يرشده فيغتاظ من هذا ، ولم يعلم أنّ ما يعلمه قد أخذه من غير الجهة التي يأخذ منها أهل الحقّ . فإنهم يأخذون علمهم عن الطريقة المستقيمة التي سلكها العلماء با لله والأتقياء ، ولم يعلم أنّ ما أخذه من غير طريقه ليس له طائل ، ولا يؤدي إلى حاصل ، بل يكون بذر النفاق واللَّداد ، ومنبت الكبر والعناد ، وستلعب به الشكوك حيرانا ، وفات منه الكمال كلَّه واستعداد تحصيله ، وخسر دنياه وأخراه رأسا ويصير من الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا 18 : 104 [2] وغرّهم في دينهم ما كانوا يفترون 3 : 24 [3] . فكيف إذا جمعهم الله ليوم لا ريب فيه ، ووفّيت كلّ نفس ما كسبت من مزرعة الدنيا ، إما من الدرجات العلى أو الدركات السفلى وهم لا يظلمون ، بوضعهم من غير موضعهم بأن ينزل الجاهل الشرير في موضع العالم النحرير ، ويسكن أهل الدركات في الدرجات ، وأهل الدرجات في الدركات كما في هذه الدار ، لأنّها دار اشتباه بخلاف اليوم الآخر لا ظلم اليوم ، لأنه يوم الفصل باعتبار ، وإن كان يوم الجمع باعتبار آخر كما حقق في محله . ومنها ما وصفهم الله تعالى بقوله : وإذا قيل لهم اتّبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتّبع ما وجدنا عليه آباءَنا أولو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير 31 : 21 [4] فالآية تفيد