وكونها محلا للحوادث بحيث يقال : إنه تعالى مثل هذه الأشياء في الشأن بما لها من الآثار الخلقية الحادثة ، فلا محالة هذا تشبيه له تعالى بخلقه ، وهو زندقة وكفر ، لاستلزام ذلك أن تكون الذات محلا للحوادث تعالى الله عنه علوا كبيرا . قوله : والتفرقة ، أي القول بأن الذات مباين عن الأشياء بحيث لا أثر ولا تأثير للذات المقدسة فيها ، بأن تكون الأشياء مستقلَّة في وجودها وآثارها بنحو يكون منحازا عنها ، تعطيل أي تعطيل للذات عن شؤونه وقدرته وتأثيره بقاء ، وهذا مضافا إلى استلزامه النقص والعجز والمحدودية في الذات ، خلاف صريح الآيات الإلهيّة وكلمات الأنبياء والأولياء عليهم السّلام . وقوله : والجمع بينهما ، أي إنّ الذات تكون مع الأشياء معية قيوميّة وإشراقية ، كما بيّن في المقدمة بدون حلول ولا اتحاد ، بحيث يكون الحقّ هو الحقّ مع أنه متصرف في الخلق ، والخلق هو الخلق مع أنّه غير مستقل في الأثر والوجود هو التوحيد ، ولعمري إنّ النظر في جمل هذا الحديث الشريف ، وملاحظة أنّ كلا من تلك الجمل الثلاث يعطي معنى وظهورا للأخرى يبين ما ذكرناه ، كما لا يخفى على العارف البصير . وإلى هذا كله يشير قول علي عليه السّلام : " دليله آياته ، إثباته وجوده ، وتوحيده تمييزه عن خلقه ، وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة " رزقنا الله تعالى معرفته ومعرفة حقائق الأمور بمحمد وآله الطاهرين . ثمّ إنّه لا بدّ من مثال يقرب هذا الأمر العقلي الدقيق إلى ذهنك ، فنقول : إنّ روحك ليست بحالّ في أعضائك ، مع أنها ليست بخال منها ، وإنها ليست متقدّرة بتقدّر الأعضاء ولا متعددة بتعددها ، وليست روحك إلا وهي ما به أنت أنت ، وهي إنيّتك ، وهي التي تكون مدركة ومحرّكة ومفكَّرة ومدبّرة لجميع شئونك وأعضائك ، وأعضاؤك مظاهرها وكسوتها وهي قوامها وحقيقتها . إذا علمت حالك هذا فاعلم : أنّ نسبة هويّة الحقّ سبحانه مع الموجودات