الخلق والله تعالى خلو منه ، كما أنها خلو منه تعالى والله العالم بحقائق أموره . واعلم أنما ذكرناه إنما هو على طريقة القوم ، وحيث إنه يوهم أنّ المخلوق هو ما خرج من الخالق ، أو أنّه تنزّل إلى درجة المخلوق مع أنه ليس كذلك . ولذا نذكر ما يوضح المقصد فنقول : إنّ الوجود هو ذات الشيء وحقيقته ، وهو الذي يطرد العدم وينافيه ، وبهذا المعنى يطلق على الباري تعالى . فهو تعالى الموجود الذي لا يتعلَّق وجوده بغيره ، ولا يتقيّد بقيد ، وهو غير محدود بحدّ كما تقدم ، ويعبّر عنه بالهويّة العينيّة وغيب الهويّة والغيب المطلق والذات الأحديّة ، وهو الذي لا اسم له ولا رسم ولا نعت ، ولا يتعلَّق به معرفة وإدراك . قال تعالى : لا تدركه الأبصار وهو يُدرك الأبصار 6 : 103 [1] وقد فسّرت الأبصار في الأحاديث عنهم عليهم السّلام بأبصار القلوب أي هو كما قال أمير المؤمنين عليه السّلام : لم تحط به الأوهام ، بل تجلَّى لها بها وبها امتنع منها [2] . وقال أمير المؤمنين عليه السّلام الحمد لله الذي أعجز الأوهام أن تنال إلا وجوده ، وحجب العقول عن أن تتخيّل ذاته في امتناعها من الشبه والشكل [3] . فدل كلامه عليه السّلام على أنه لا يدرك منه إلا أنّه تعالى موجود وأمّا ذاته فلا . فهو تعالى لا يتعلَّق به معرفة وإدراك ، إذ المعرفة العقلية إنما تتعلق بما له اسم أو رسم ونعت ، وتكون المعرفة حينئذ به مفهوما من المفهومات العقليّة ، وهو تعالى كما تقدم في أول الشرح لا يدخل في الذهن ، ولا تتعلق به المعرفة العقليّة . فهو تعالى الغيب المجهول المطلق . نعم أعربت وأفصحت عنه وعن وجوده تعالى الأحاديث بصفاته الجمالية والجلاليّة .