والخلق والإيجاد إنما هو إظهار المثل الأعلى له تعالى . وكيف كان فالجعل هو إظهار الجاعل مثال ذاته في الخارج ، ومن المعلوم عقلا أنّ المثال ليس عين ذات الجاعل وإلا لم يكن جعلا بل نفسه ، فلا جاعل ولا مجعول وهذا خلف . وأيضا لا يجوز أن يكون غير الذات من جميع الجهات ، وإلا لما كان مثالا للذات ، فلا محالة يكون أي الصادر الأول وما يستتبعه من وجه هو هو بمعنى أنّ المثال هو تجلي الذات كما قال عليه السّلام : " لم تحط به الأوهام بل تجلَّى لها بها وامتنع بها منها " [1] ومن وجه ليس هو لأنه مثال له لا عينه . وهذا المثال في الواقع ونفس الأمر هو نحو ظهور للذات ، بمعنى أنّ الذات قد تنزل عن عالم الإطلاق إلى عالم التعيّن الأسمى ، فتنزله بالتجلي لا غيره في مراتب التعيّن هو ظهور الذات . فالظهور أي المثال الظاهر حيث إنه ناشئ من الذات أي ظهور منه فهو هو ، وحيث إنه ليس في مرتبة الذات بل ظهوره فهو ليس هو ، وهذه الليسيّة ليست إلا النقصان وهو ليس إلا العدم . فغيّرية الظهور عن الذات إنما هي بالعدم والنقص ، بمعنى أنّ ما به الغيرية أي غيرية الظهور عن الذات ، وامتيازه عنها ليس إلا لأجل فقدان مرتبة من آثار الذات ، وهذا الفقدان أوجب تركيبا في المجعول فهو مركب من الوجود والعدم . والمراد من العدم هو النقص وفقدان مراتب الذات وفقد الإطلاق ، كما أنّ المراد من الوجود في المجعول هو الفعلية التي هي شأن من شأن إلهي قد ظهر بهذا التجلي في التعين ، فتحقق به اسم الخلق والسّوي بما له من المراتب الطولية والعرضية والسببية والمسببية ولا يراد من الوجود البداهة فإنها صفة عارضة كما لا يخفى . وهذا معنى قولهم : إنّ الممكن زوج تركيبي أي من الوجود والعدم . فالأعدام حدود