أن يتفكر في شؤون ذاته تعالى وصفاته وأفعاله قال عليه السّلام : " بك عرفتك ولولا أنت لم أدر ما أنت " ، وحيث إنهم أي السالكون لهذا المسلك يكون علمهم ومعرفتهم منه تعالى فيمتازون عن غيرهم بأن علومهم لما كانت في مرتبة التام بذاته بحسب أرواحهم التي مرتبتها مرتبة العقول الفعالة كما تقدمت الإشارة إليه . هذا في الكمّلين أو في مرتبة المكتفي بذاته بحسب نفوسهم ، التي هي في درجة نفوس الأفلاك كما تقدمت الإشارة إليه وكما حقّق في محله ، وهذا بخلاف غيرهم من أولي العلوم الظاهرية فإنّ هؤلاء لما كانت علومهم صرف الصور القائمة بنفوسهم ، ولم تنكشف لهم حقايق الأشياء والمعلومات بصورتها الواقعية في قلوبهم بالمشاهدة والعيان ، فلا محالة تكون قلوبهم مظلمة ، ولا يمكنهم الاكتفاء في علومهم الظاهرية عن العلوم العينية القلبية ، إذ ليست علومهم من إفاضة الله فقط بتوسط الملائكة النورية التي هي خزائن علم الله تعالى ، بل يحتاجون في انحفاظ علومهم الصورية إلى أسباب خارجية وأوضاع حسّية وأسانيد متقدّمة ، حتى أن فرض ارتفاع الأسانيد من الكتب الخارجية والأوضاع الخارجية الحسيّة من المطالعة والنظر والدقة التي جملتها من الأمور المتغيّرة المتصرمة ، لبطلت علومهم وزالت كمالاتهم . فلو لم تكن عنده الكتب وسئل عن مسألة يقول : لا علم لي بها لعدم الأسباب الخارجية لها من الكتب وغيره كما لا يخفى ، وأين هذا من علوم أهل الله الذين انكشفت الحقائق في قلوبهم بالعيان ؟ فجميع المنتسبين إلى العلوم التي هي دون علوم الأولياء والعرفاء ناقصون في كمالاتهم العلمية ، إذ ليسوا في مرتبة التمام من العلم كالعقول القادسة والملائكة العلمية ، الذين كمالاتهم بالفعل من كلّ الوجوه ولا كمال منتظر لهم ، وليسوا أيضا في مرتبة المكتفين بذواتهم وذوات عللهم المقومة الداخلية كالملائكة العمالة بإذن الله في تحريك الأجرام العالية ، واستخراج الكمالات النفسية من القوة إلى الفعل بل هؤلاء الظاهريون يكونون أبدا محتاجين إلى المشايخ