علي الحسن ابنه ، وبعد الحسن الحجّة . اصطفانا الله وطهّرنا وآتانا ما لم يؤت أحدا من العالمين ، ثم قلت : يا بن رسول الله إنّ عبد الله بن سعد دخل عليك بالأمس فسألك عما سألتك فأجبته بخلاف هذا فقال : يا يونس كلّ امرئ وما يحتمله ، ولكلّ وقت حديثه ، وإنك لأهل لما سألت ، فاكتمه إلا عن أهله والسلام [1] . أقول : هذا الحديث الشريف مشتمل على لآلئ المعارف الإلهيّة وغوامض العلوم الربانية ، وفيه بيان كيفية السير إلى معرفته تعالى كما لا يخفى على من هو من أهله ونسأل الله تعالى أن يوفّقنا لشرحه في رسالة مخصوصة ، لتتّضح معانيه ، ويسهل على أهله استخراج غرره ودرره بمحمد وآله الطاهرين . ثم إنه ينبغي التأمّل في قوله : إنّ أولي الألباب . . . إلخ ليتضح ما قلناه من أنّ السير في آيات الآفاق والأنفس بالتفكر يوجب له انفتاح أبواب العلوم المخزونة والمستورة لقلبه كما لا يخفى . ومما يجب أن يعلم لمن أراد التفكر في الوجود الحقّ أنه لا بدّ من أن يتّبع سبيل أوليائه تعالى في ذلك ، وهو أنّه لا ينبغي أن يتكلم في ذات الباري تعالى ، ولا في صفاته ولا في أفعاله ( من حيث هي أفعاله ) بالحدس والتخمين من النفس فإنّه لا سبيل لها إليه تعالى أبدا ، ولا قبل تصفية النفس من الوساوس والرين والحجب ، فإن ذلك يؤدي إلى الشكوك والحيرة والضلال كما قال تعالى : ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير 22 : 8 [2] . ثم إنه سيجيء أنّه ( أي السير إليه تعالى ) على أقسام وأسفار أربعة ، والعمدة منها هو ما تقدم من تطهير الإنسان باطنه عن غيره تعالى ، وعن الرذائل ، وإدامة التوجه إليه تعالى مع المحبّة الشديدة حتى يحاذي بقلبه شطر الحقّ ، فيتجلَّى ، فيه من الحق ما يسمح به الحقّ تعالى ، فما تجلَّى فيه منه تعالى هو المعرفة فبها يتمكن السالك