الذي لا عوائق فيه ولا عوج له ، فلذلك ينبغي للقاصدين إلى الله بعد تصفية نفوسهم من درن الشهوات ، والراغبين في نعيم الآخرة في دار السلام الذين يريدون الصعود إلى ملكوت السماوات ، والدخول في زمرة الملائكة بالولادة الثانية أن يتحرّوا أقرب الطرق إليه وأسهلها مسلكا وأوثقها اعتمادا ، كما قال تعالى : فمَن أسلم فأولئك تحرّوا رشدا 72 : 14 [1] . واعلم : أنّ حاصل علامات العلماء با لله ومجامع نعوتهم أنهم منبعثون من موت الجهالة متنبّهون من رقدة الغفلة ، عارفون بحقائق الأشياء ، مشاهدون حساب يوم الدين ، هم قوم تستوي عندهم الأماكن والأزمان ، وتغاير الأمور وتصاريف الأحوال ، فقد صارت الأيام كلَّها عندهم عيدا واحدا وجمعة واحدة ، وصارت الأماكن كلَّها مسجدا واحدا ، والجهات كلَّها محرابا واحدا ، وذلك لخروجهم بعقولهم الصافية وأذهانهم العالية عن مطمورة عالم الزمان والمكان ، وتوجهت قلوبهم شطر الحقّ ، وتولت ذواتهم وجه الله ، فصارت حركاتهم كلَّها عبادة وسكناتهم كلَّها طاعة له . واستوى عندهم مدح المادحين وذم الذامين ، لا تأخذهم في الله لومة لائم ، وهم قوامون بالقسط شهداء لله بالحق ، وهم على صلواتهم دائمون تحققوا بقوله تعالى : فأينما تولَّوا فثمّ وجه الله 2 : 115 [2] لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم 57 : 23 [3] وصار دعاؤهم مستجابا ، لأنهم لا يسألون إلا ما يكون ، ولا يكون إلا ما قد كان في سابق العلم ، فقلوبهم في راحة من التعلق بالأسباب ، وأرواحهم فارغة من التكلَّف بما لا يعني ، ونفوسهم ساكنة عن الوسواس ، وأبدانهم في راحة من أنفسهم ، والناس منهم في راحة وأمان ، لا يريدون لأحد سوءا ، ولا يضمرون لأحد