ورأى نفسه تحت سطوته خاشعا خاضعا ذليلا مسكينا مستكينا فقيرا خائفا وجلا ، فقد صحّ سيره ، وهدي إلى صراط مستقيم ، قال أمير المؤمنين عليه السّلام في أوصاف المتقين : " عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم " . ومنها : ما ذكره تعالى : إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان 15 : 42 [1] مخاطبا إبليس اللعين الذي استثناهم عن إغوائه بقوله كما حكى الله تعالى عنه : إلا عبادك منهم المخلَصين 15 : 40 [2] . وكيف كان فمن وصل إلى معرفته تعالى بنور المشاهدة ، ووصل إلى قربه بحقّ اليقين يرى نفسه في حصنه تعالى وفي كهفه ، بحيث يرى نفسه مصونا عن وساوس الشيطان بالعصمة الإلهية فلا يكاد يرى لنفسه مطاوعة لوساوس الشيطان ، بل هو بنفسه المعصومة المنورة بنور المعرفة والمشاهدة ، يدفع وساوسه ويطرده ، ويغلب عليه كما ذكرت عن بعض أولياء الله عند محاربته الشيطان ( لعنه الله ) . ومنها : ما وصفهم الله تعالى بقوله تعالى : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما . . . 25 : 63 إلى آخر السورة [3] فإنه تعالى ذكر فيها صفات عديدة لهم ، فالمؤمن العارف الواصل يرى هذه الصفات في نفسه ، فلا يخلو منها ، فكأنّها صارت طبيعة له راسخة في قلبه . ومنها : ما أشار إليه قوله تعالى : إلا من أتى الله بقلبٍ سليم 26 : 89 [4] وهذه الصفة عمدة الصفات وتجمع سائرها ، لأن الأصل في جميع الصفات والخيرات هو سلامة الصدر من الغلّ والغش والدغل ، والحسد والبغض والكبر ، والحرص والطمع والمكر ، والزنا والخديعة والنفاق وما أشبهها من الخصال المذمومة ، التي أكثرها