وحقائق أفعاله للقلوب المشتاقة ، فيكون وجوه قلوبهم الخالية من دنس حبّ الدنيا بسبب ذلك النور إلى ربّها وحبيبها ناظرة ، فإنّ الإيمان يجرّ بعضه إلى بعض وبالمعرفة تكتسب المعرفة ، فحينئذ كلَّما تليت على أصحابها الآيات أو تلوها أو ذكر الله أو ذكروه ، زاد انفتاح روزنتها بقدر صدقها وشوقها ومناسبتها ، فيزيد فيها نور الإيمان ، فيزدادوا إيمانا مع إيمانهم وعلى ربّهم يتوكَّلون ، لا على الدنيا وأهلها . فإنّ من شاهد جمال الحق وجلاله بنور الإيمان فقد استغرق في بحر سطوات جلاله ، فيكون توكلهم عليه لا على غيره . وإلى ما ذكر يشير ما في الكافي مسندا عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السّلام قال : ليس شيء إلا وله حدّ ، قال : قلت : جعلت فداك فما حدّ التوكل ؟ قال : اليقين ، قلت : فما حدّ اليقين ؟ قال : ألا تخاف مع الله شيئا . ومنها : ما وصفهم الله تعالى بقوله : وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم مُلاقوا ربّهم 11 : 29 فقوله تعالى : إنّهم ملاقوا ربّهم ، بيان العلة لعدم طردهم ، وهي أنّهم ملاقوا ربّهم ، فهم بإيمانهم بلغوا درجة الملائكة المقربين ، الذين يلاقون ربهم من فوقهم لا واسطة بينهم وبين ربّهم ، وذلك لارتقائهم عن عالم الطبيعة بجناحي العلم والعمل إلى جوار الله تعالى ، وهذا معنى ملاقاة ربّهم من فوقهم ، ثمّ إنه قد يتوهم أنّ معنى أنّهم ملاقوا ربّهم ، أنّي لا أطردهم ، لأن حسابهم على الله حينما يلاقوه يوم القيمة . فأين هذا من بلوغهم إلى درجة الملائكة الذين يلاقون ربّهم ؟ ولكنه مدفوع بأن اسم الفاعل ظاهر في المتلبس بالمبدأ ، فقوله : إنّهم ملاقوا ربّهم 11 : 29 أي أنّهم متلبّسون بلقائه تعالى بالفعل ، وهذا هو حال الملائكة المجرّدين في عالم المادة والطبيعة كما لا يخفى . وكيف كان فمن وجد في نفسه أنه ملاق ربّه بالعظمة والكبرياء والجبروت ،